إثبات الهلال – نظرة جديدة

نعيد نشر هذه المقالة التي وردت في مجلة العصر الاسلامي في عدد آب ٢٠١٢ م لما لها من أهمية في بيان امكانية وحدة الهلال العالمية التي تجنب المسلمين التفرقة والعُقد التي يواجهونها في كل عيد يطلع عليهم.

مبنى سماحة العلاّمة المرجع الشيخ عبد اللطيف بري… في إثبات الهلال
مباني إثبات الهلال التجزيئية ومبنى الإثبات الكلي الجامع لكل المسلمين

ماذا قال المرجع الامام الخوئي استاذ مراجع الشيعة المعاصرين حول شمولية إثبات الهلال لأقطار العالم؟ وماذا قال المرجع الديني المعاصر الإمام بري؟

مقارنة مبسّطة

مبنى الإمام آية الله العظمى السيد الخوئي استاذ مراجع الشيعة المعاصرين في إثبات الهلال: قال الإمام السيد أبو القاسم الخوئي استاذ مراجع الشيعة المعاصرين : إذا رؤي الهلال في بلد كفى في الثبوت في غيره مع اشتراكهما في الافق، بحيث إذا رؤي في أحدهما رؤي في الآخر، بل الظاهر كفاية الرؤية في بلد ما في الثبوت لغيره من البلاد المشتركة معه في الليل وإن كان أول الليل في أحدهما آخره في الآخر.
بيان ذلك أن البلدان الواقعة على سطح الأرض تنقسم إلى قسمين:
أحدهما: ما تتفق مشارقه ومغاربه، أو تتقارب.
ثانيهما: ما تختلف مشارقه ومغاربه اختلافاً كبيراً.
أما القسم الأول: فقد اتّفق علماء الإمامية على ان رؤية الهلال في بعض هذه البلاد كافية لثبوته في غيرها، فإن عدم رؤيته فيه إنما يستند – لا محالة – إلى مانع يمنع من ذلك، كالجبال، أو الغابات، او الغيوم، أو ما شاكل ذلك
وأما القسم الثاني (ذات الآفاق المختلفة): فلم يقع التعرض لحكمه في كتب علمائنا المتقدمين، نعم حكي القول باعتبار اتحاد الأفق عن الشيخ الطوسي في (المبسوط)، فإذن: المسألة مسكوت عنها في كلمات أكثر المتقدمين، وإنما صارت معركة للآراء بين علمائنا المتأخرين: المعروف بينهم القول باعتبار اتحاد الافق، ولكن قد خالفهم فيه جماعة من العلماء والمحققين فاختاروا القول بعدم اعتبار الإتحاد وقالوا بكفاية الرؤية في بلد واحد لثبوته في غيره من البلدان ولو مع اختلاف الأفق بينهما.
فقد نقل العلامة في (التذكرة) هذا القول عن بعض علمائنا واختاره صريحاً في (المنتهى) واحتمله الشهيد الأول في (الدروس) واختاره – صريحاً – المحدث الكاشاني في (الوافي) وصاحب الحدائق في حدائقه، ومال إليه صاحب الجواهر في جواهره، والنراقي في (المستند)، والسيد ابو تراب الخونساري في شرح ( نجاة العباد) والسيد الحكيم في (مستمسكه) في الجملة.
وهذا القول – أي كفاية الرؤية في بلد ما لثبوت الهلال في بلد آخر مع اشتراكهما في كون ليلة واحدة ليلة لهما معاً وإن كان أول ليلة لأحدهما وآخر ليلة للآخر، ولو مع اختلاف افقهما – هو الأظهر، ويدلنا على ذلك أمران:
(الأول): ان الشهور القمرية إنما تبدأ على اساس وضع سير القمر واتخاذه موضعاً خاصاً من الشمس في دورته الطبيعية، وفي نهاية الدورة يدخل تحت شعاع الشمس، وفي هذه الحالة (حالة المحاق) لا يمكن رؤيته في أي بقعة من بقاع الأرض. بعد خروجه عن حالة المحاق والتمكن من رؤيته ينتهي شهر قمري، ويبدأ شهر قمري جديد.
ومن الواضح، أن خروج القمر من هذا الوضع هو بداية شهر قمري جديد لجميع بقاع الارض على اختلاف مشارقها ومغاربها، لا لبقعة دون اخرى، وإن كان القمر مرئياً في بعضها دون الآخر، وذلك لمانع خارجي كشعاع الشمس، أو حيلولة بقاع الأرض أو ما شاكل ذلك، فإنه لا يرتبط بعدم خروجه من المحاق، ضرورة انه ليس لخروجه منه أفراد عديدة بل هو فرد واحد متحقق في الكون لا يعقل تعدده بتعدد البقاع، وهذا بخلاف طلوع الشمس فإنه يتعدد بتعدد البقاع المختلفة فيكون لكل بقعة طلوع خاص بها.
وعلى ضوء هذا البيان فقد اتضح ان قياس هذه الظاهرة الكونية بمسألة طلوع الشمس وغروبها قياس مع الفارق، وذلك لأن الأرض بمقتضى كرويتها يكون – بطبيعة الحال – لكل بقعة منها مشرق خاص ومغرب كذلك، فلا يمكن ان يكون
للأرض كلها مشرق واحد ولا مغرب كذلك وهذا بخلاف هذه الظاهرة الكونية – أي خروج القمر عن منطقة شعاع الشمس – فإنه لعدم ارتباطه ببقاع الأرض وعدم صلته بها لا يمكن ان يتعدد بتعددها.
ونتيجة ذلك: ان رؤية الهلال في بلد ما أمارة قطعية على خروج القمر عن الوضع المذكور الذي يتخذه من الشمس في نهاية دورته وانه بداية لشهر قمري جديد لأهل الأرض جميعاً لا لخصوص البلد الذي يرى فيه وما يتفق معه في الأفق.
ومن هنا يظهر: أن ذهاب المشهور إلى اعتبار اتحاد البلدان في الأفق مبني على تخيل ان ارتباط خروج القمر عن تحت الشعاع ببقاع الأرض كارتباط طلوع الشمس وغروبها بها، إلا انه لا صلة – كما عرفت – لخروج القمر عنه ببقعة معينة دون اخرى فإن حاله مع وجود الكرة الأرضية وعدمها سواء.
(الثاني): النصوص الدالة على ذلك، ونذكر جملة منها:
1- صحيحة هشام بن الحكم عن ابي عبد الله (الامام الصادق) (ع) أنه قال في من صام تسعة وعشرين قال: “إن كانت له بينه عادلة على أهل مصر أنهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوماً”.
فإن هذه الصحيحة بإطلاقها تدلنا – بوضوح – على ان الشهر إذا كان ثلاثين يوماً في مصر كان كذلك في بقية الأمصار، بدون فرق بين كون هذه الأمصار متفقة في آفاقها أو مختلفة إذ لو كان المراد من كلمة مصر فيها المصر المعهود المتفق مع بلد السائل في الافق لكان على الإمام (ع) ان يبين ذلك، فعدم بيانه مع كونه (ع) في مقام البيان كاشف عن الإطلاق.
2- صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (الامام الصادق) (ع) أنه سئل عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان فقال: “لا تقضه إلا ان يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر، وقال: لا تصم ذلك اليوم الذي يقضى إلا ان يقضي أهل الأمصار فإن فعلوا فصمه”.
الشاهد في هذه الصحيحة جملتان: (الاولى) قوله (ع) “لا تقضه إلا ان يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة” (الخ) فإنه يدل – بوضوح – على أن رأس الشهر القمري واحد بالإضافة إلى جميع أهل الصلاة على اختلاف بلدانهم باختلاف آفاقها ولا يتعدد بتعددها، (الثانية) قوله (ع): “لا تصم ذلك اليوم إلا ان يقضي أهل الأمصار” فإنه كسابقه واضح الدلاله على ان الشهر القمري لا يختلف بإختلاف الأمصار في آفاقها فيكون واحداً بالإضافة إلى جميع أهل البقاع والأمصار، وإن شئت فقل: إن هذه الجملة تدل على ان رؤية الهلال في مصر كافية لثبوته في بقية الأمصار من دون فرق في ذلك بين اتفاقها معه في الآفاق أو اختلافها فيها فيكون مردّه إلى ان الحكم المترتب على ثبوت الهلال –أي خروج القمر من المحاق- حكم تمام أهل الارض لا لبقعة خاصة.
3- صحيحة اسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد الله (الامام الصادق) (ع) عن هلال رمضان يغم علينا في تسعة وعشرين من شعبان فقال: ” ولا تصمه إلا ان تراه فإن شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فأقضه”.
فهذه الصحيحة ظاهرة الدلالة باطلاقها على ان رؤية الهلال في بلد تكفي لثبوته في سائر البلدان بدون فرق بين كونها متحدة معه في الأفق أو مختلفة وإلا فلابد من التقييد بمقتضى ورودها في مقام البيان.
4- صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله (الامام الصادق) (ع) عن هلال رمضان يغم علينا في تسعة وعشرين من شعبان فقال: “لا تصم إلا ان تراه فإن شهد أهل بلد آخر فأقضه” فهذه الصحيحة كسابقتها في الدلالة على ما ذكرناه.
ويشهد على ذلك ما ورد في عدة روايات في كيفية صلاة عيدي الأضحى والفطر وما يقال فيها من التكبير في قوله (ع) في جملة تلك التكبيرات: “اسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً”.
فإن الظاهر ان المشار إليه في قوله (ع) (في هذا اليوم) هو يوم معين خاص جعله الله تعالى عيداً للمسلمين لا انه كل يوم ينطبق عليه انه يوم (فطر) أو (اضحى) على اختلاف الأمصار في رؤية الهلال باختلاف آفاقها. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى انه تعالى جعل هذا اليوم عيداً للمسلمين كلهم لا لخصوص أهل بلد تقام فيه صلاة العيد.
فالنتيجة على ضوئهما أن يوم العيد يوم واحد لجميع اهل البقاع والأمصار على اختلافها في الآفاق والمطالع.
ويدل أيضاً على ما ذكرناه الآية الكريمة (إنا انزلناه في ليلة القدر) الظاهرة في ان ليلة القدر ليلة واحدة شخصية لجميع أهل الأرض على اختلاف بلدانهم في آفاقهم، ضرورة أن القرآن نزل في ليلة واحدة وهذه الليلة الواحدة هي ليلة القدر وهي خير من ألف شهر وفيها يفرق كل أمر حكيم.
ومن المعلوم أن تفريق كل أمر حكيم فيها لا يخص بقعة معينة من بقاع الأرض بل يعم أهل البقاع أجمع. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قد ورد في عدة من الروايات انه في ليلة القدر يكتب المنايا والبلايا والأرزاق وفيها يفرق كل أمر حكيم، ومن الواضح أن كتابة الأرزاق والبلايا والمنايا في هذه الليلة إنما تكون لجميع أهل العالم لا لأهل بقعة خاصة ! فالنتيجة على ضوئهما أن ليلة القدر ليلة واحدة لأهل الأرض جميعاً، لا ان لكل بقعة ليلة خاصة.
هذا، مضاف إلى سكوت الروايات بأجمعها عن اعتبار اتحاد الأفق في هذه المسألة، ولم يرد ذلك حتى في رواية ضعيفة.
ومنه يظهر ان ذهاب المشهور إلى ذلك ليس من جهة الروايات بل من جهة ما ذكرناه من قياس هذه المسألة بمسألة طلوع الشمس وغروبها وقد عرفت انه قياس مع الفارق.).
——————————————————
منهاج الصالحين ج1 ص 278 – 283 الطبعة الثامنة والعشرون 1410 هج
فتاوى مرجع المسلمين زعيم الحوزة العلمية في النجف الاشرف السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي (قدّس سره)

مبنى سماحة العلاّمة المرجع الديني الشيخ عبد اللطيف بري… في إثبات الهلال
ولمَّا كان مبنى سماحة العلاّمة المرجع الديني الشيخ عبد اللطيف بري الفقهي ان الهلال إذا رؤيَ بالعين المجردة في بلدٍ تبعته البلاد التي يُرى فيها بالمنظار بحكم الاصل الفقهي العملي عند الشك وذلك بالرجوع الى اليقين برؤية الهلال الذي تم بالعين المجردة، فينسحب حكم رؤية الهلال الى بلاد الرؤية بالمنظار يقيناً بحكم (الاستصحاب) واستمرار حكم اليقين، وهذا من الاصول العملية الفقهية الموضوعة عند الشك في الحكم أو في الموضوع، وكذلك تأخذ نفس حكم رؤية الهلال اليقينية بالعين المجردة أو بالمنظار كل البلاد التي ترى الهلال بالتلسكوب في تلك الليلة ،وتتبع كلَّ هذه البلاد أيضاً كلُّ البلاد التي تشترك معها بجزءٍ من ذلك الليل، وهكذا تتحد رؤية الهلال عالمياً ويتحد عيد المسلمين بهذه الأدلة، ونصل الى هذا المبنى الفقهي الذي يوحد المسلمين ويخلِّف مسائل التفريق والتشتيت خلفهم. ولما كان علم الفلك الحديث اصبح يحقق اليقين والاطمئنان أو القطع مسبقاً بظهور الهلال في زمان ومكان معينين بدقة علمية متناهية وأمكن الاعتماد عليه ، فقد امكن إثبات هلال عيد الفطر لهذه السنة بهذه الطريقة العلمية الدقيقة ، واكدت المعلومات الفلكية الواردة من مصادر فلكية مختلفة والتي تفيد الأطمئنان أو اليقين، بأن هلال شهر شوال يُرى بالعين المجردة عند المغرب في 18 آب (أغسطس) 2012 ميلادي في كل اميركا الجنوبية وجنوب قارة افريقيا وجزر البولونيزيا وهاوايِ، ويرى بالمنظار في فلوريدا وفي الصومال والسودان وأثيوبيا ومالي وموريتانيا وقسم من استراليا الغربية، ويرى بالتلسكوب في مصر وليبيا والجزائر والمغرب والسعودية ودول الخليج والهند وماليزيا واندونيسيا . بناءً عليه فإن حكم إثبات هلال عيد الفطر لهذه السنة يشمل أميركا الشمالية والجنوبية وكندا وافريقيا واوروبا وآسيا واستراليا ، ويكون اول شوال عيد الفطر السعيد في يوم الأحد 19 آب (أغسطس) 2012 ميلادي. وهكذا يتوحد العيد عند المسلمين ببركة الادلة الشرعية التي استعرضناها وبالمعلومات العلمية الدقيقة التي تؤكد عظمة قوانين الله في الطبيعة والكون. وهكذا يتبين ان كلاً من هذين المبنيين يكمل الاخر ويصب في نتيجة وحدة الهلال العالمية التي تجنب المسلمين التفرقة والتمزيق والعُقد التي يواجهونها في كل عيد يطلع عليهم، بحيث يتحول العيد الى عيد اسود يبعث على الشجار والنزاع والقهر على عكس ما اراده الاسلام عيداً سعيداً طيباً هنيئاً يفرح به المسلمون ويسعدون جميعاً معاً في سمفونية روحية متناغمة، وجوقة عالمية واحدة.
نسأل المولى جل وعلا ان يُهلَه عليكم بالخير والبركات ويتقبل اعمالكم الصالحات ويُعيده على الامة والانسانية كلها بالإصلاح والنجاح إنه اكرم مسؤول.
وكل عام وانتم بخير
مكتب مرجعية سماحة العلاّمة المرجع الديني
آية الله العظمى الشيخ عبد اللطيف بري

Contact Us

We're not around right now. But you can send us an email and we'll get back to you, asap.

Not readable? Change text. captcha txt

Start typing and press Enter to search