ليس من المبالغ القول بأن كتاب الاستشراق، المعرفة، السلطة، الإنشاء، هو من أهم كتب القرن العشرين بالنسبة للعرب، فقد كشف فيه مؤلفه المفكر والناقد الفلسطيني الأميركي المعروف إدوارد سعيد حقائق وأشياء جوهرية عن علاقة الغرب بالشرق، من الضروري أن يطلع عليها كل عربي، وإن لم يكن فكل مثقف وكل سياسي وكل إعلامي عربي؛ لأن من شأن ذلك أن يوفر لديه وعي ملمّ بحقيقة الكثير من الأمور والتحركات التي تجري من حوله وتؤثر في محيطه وفي مختلف شؤون حياته ومجتمعه. وكتاب الاستشراق هذا ومنذ طباعته الأولى بالإنجليزية عام 1978 وهو يثير زوبعة من المناقشات والإشكاليات، وقد ترجم هذا الكتاب إلى لغات كثيرة وفسر واستخدم على نطاق واسع وبطرق متعددة يعترف إدوارد سعيد نفسه بأنها لم تخطر على باله خلال انشغاله بتأليفه. وقد تعرض الكتاب لحملات قاسية ضده، ومن الغريب أن بعض الأوساط الفكرية العربية شاركت في هذا الهجوم، خاصة بعض الماركسيين الذين سعوا للتقليل من شأنه لا لشيء إلا لأن المؤلف أبدى فيه ملحوظة صغيرة حول ماركس. انضمت إلى هؤلاء ردود فعل غربية حانقة عبّر فيها الكثير من مستشرقي وكتّاب الغرب عن انزعاجهم الشديد من أطروحات الكتاب، وأعربوا في الكثير من الحالات عن خشيتهم من أن يعزز ما يبثها الأصوليون الإسلاميون من أفكار تحررية معادية للغرب: لكن (الاستشراق) استمر في الانتشار ورغم مرور أكثر من عقدين من الزمن على صدوره ما يزال يقرأ على نطاق واسع، وقد تحول في بعض الجامعات العالمية إلى كتاب كلاسيكي يتعرف من خلاله الطلاب على أيديولوجية الاستشراق الغربي، والجامعات الأميركية والأوروبية خصوصاً في إطار الدراسات الشرق الأوسطية، وهو الاسم الجديد الذي جُرِّد لحقل الاستشراق، تعرضه بانتظام على طلابها لمناقشته، كما أن الكتاب يعتبر لدى البعض سجلاً للطريقة التي يعمل بها العقل الحداثوي الغربي، أي العقلانية المنفعية. لذا فقد كان لا بد من إلقاء الضوء عليه، فجاء هذا الكتاب الذي عمد المؤلف من خلاله إلى إلقاء نظرة شاملة على كتاب إدوارد سعيد “الاستشراق”، متلمساً مفاصله البارزة، موضحاً بعض أمثلته ذات المغزى لفرض إضاءة مضامينه وأفكاره الرئيسية وتسهيل فهمها على القارئ العربي.
