تطوير المؤسسات الاسلامية ضرورة لبناء مستقبل ديني زاهر للمسلمين الأميركيين.

 

 إمام (المجمع الاسلامي الثقافي) فضيلة الشيخ (باقر بري)

 

تطوير المؤسسات الاسلامية ضرورة لبناء مستقبل ديني زاهر للمسلمين الأميركيين.

أربعون عاماً من الجهد الموصول لخدمة المسلمين في اميركا، بمعونتهم الكريمة، وإخلاص العاملين معنا، ومؤازرة الصادقين العهد مع الله تعالى!

خرجنا من قوقعتنا الاجتماعيّة والدينيّة الى العناية بأخلاق المجتمع ككل!

 أمام التحديات الكبيرة والخطيرة، لابد من إعادة هيكلة وتطوير المؤسسات الاسلامية، والبحث عن طرق جديدة لرفدها!!

كلمة فضيلة الشيخ باقر بري في حفل التبرعات نصف السنوي للمجمع الاسلامي الثقافي

 

السادة العلماء الافاضل!

أعضاء ورؤساء مؤسسات الجالية وفعالياتها المحترمون!

ايها الحفل  الكريم!

أيها الاحبة والأصدقاء .. ايها الإخوة والأخوات!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أرحب بكم جميعا أجملَ ترحيب في مجمعكم (المجمع الإسلامي الثقافي)..

 

وأمّا بعد: يقول سبحانه وتعالى :﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾( الأحزاب/23)

 

أربعون عاما من العمل الجاد المخلص:

————————————–

 

اذا فكرنا في الأربعين سنة الآخيرة من عمر (المجمع الاسلامي الثقافي)، نجدها سنوات مليئة بالتجارب والتحديات، زاخرة بالانجازات والقصص التي لا تنسى، هذه القصص هي وقائع وأحداث حقيقية حدثت لأهلنا وهم يجاهدون في مشوار تحقيق حلمهم بغدٍ إيماني أفضل لهم ولأولادهم  وللمسلمين وللإسلام في اميركا.

ولا يستطيع أحد أن ينكر الدور الكبير الذي لعبه المجمع الاسلامي في تحقيق هذه الإنجازات الدينية المشرّفة التي نجدها اليوم شاخصة في المؤسسات الدينية والاجتماعية والثقافية القائمة ، وحين نتحدث عن (المجمع الاسلامي الثقافي) تحديداً، فانما نتحدث عنكم وعن هذه الثلة الطيبة من آبائنا وآبائكم  الذين بسببهم  نقف اليوم على هذه الأرض الصلبة ..

وأْعود الى قوله سبحانه وتعالى : ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا )

حين اقرأ هذه الآية  الكريمة اتذكر- بكلّ فخر واعتزاز- اخوةً لنا كانوا معنا طيلة هذا المشوار الشيّق والشاق معا، وقد لايتسنّى لي ذكر أسمائهم بالتفصيل واحداً واحدا، ولكنكم  تعرفونهم جيدا، و تذكرونهم جيدا،  وهؤلاء هم الذين شاركوا في تأسيس هذه المؤسسات وتنشيط وتوسعة وإدامة فعالياتها، فمنهم من مضى الى عالم البقاء، أو الى مهام إسلامية أخرى، ومنهم من نعتز بحضوره المتواصل معنا اليوم في هذا الحفل المبارك، وفي كل يوم نتنادى فيه لعمل الخير والصلاح، فيلبّون النداء على الرحب والسعة.

وبعض هؤلاء الطيبين العاملين عاشرتهم في طفولتي وعملت معهم في عملي الدعوي بعد ذلك عن قرب، طبعا لم يكونوا ملائكة، بل كانوا بشراً عاديين، لم يتخلوا عن طبيعة البشر بما فيها من قوة وضعف، وانسحاب وإقدام، ونجاح وفشل، كانوا يتصرفون أحيانا بعفوية، وأحيانا اخرى بمحدودية، ويرتكبون الأخطاء التي يرتكبها البشر، يختلفون فيما بينهم وأحيانا يتشاجرون على شؤون العمل، يتعرضون للضغوط  والتحديات بل حتى للتهديدات والاعتداءات كما حصل مع بعضهم من العلماء، وقد ينتاب بعضهم أحيانا الشعور بالخوف أو بالإحباط ، و كان بعض الناس من حولهم يترصد زلاتهم، و يهاجمونهم فيما ارتكبوا من أخطاء، ويستصغرون انجازاتهم العظيمة  لكنهم مع كل ذلك  استمروا ولم يأبهوا لأصوات النشاز، ولم يتراجعوا عن واجبهم يحدوهم الأمل و شعار ( العمل أولاً)!

 

ومع كل هذه الصعاب والظروف التي واجهتهم فقد تحلّوا بالإيمان والصبر والعزيمة، وكانوا مستعدين دوما لتحمل مشقة المسؤولية عن الجميع، دون تراجع، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وما بدلوا تبديلا..وهذا هو منشأ امتيازهم الأول، كانوا رجالا  حقا، لماذا ؟

لأنهم لم يهربوا من تحمل المسؤولية الثقيلة. ولم يتراجعوا عن القيام بها، مهما كانت الصعاب ومهما غلت التضحيات،  وأما منشأ امتيازهم الآخر فإنهم ارتبطوا  بالله الذي عاهدوه على الإيمان والعمل الصالح ، هذا الارتباط الذي كان يجدد فيهم شحنات الأمل، ويمنعهم من التراجع، ويحرسهم من القنوط…

الآية القرآنية المذكورة لم تقل: كل المؤمنين رجال،  قالت :(من المؤمنين رجال): وحرف الجر (من) هنا للتبعيض؛ أي: إن بعض المؤمنين رجال. فالرجل كل الرجل هو الذي تحرر عقله من الضلال، وآمن بالله وتحمل مسؤولية أهله و أمته وخرج ليعمل في سبيل الله، واضعا نفسه وجهده، وباذلا ماله، في سبيل احقاق الحق والدعوة الى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفع الظلم في الأرض، ومساعدة المحتاجين، ومنع الانحدار الاخلاقي..

يقول سبحانه وتعالى: ( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)( النساء/95

 

لا نكترث للمُحبطين الُمخذّلين!

——————————

يمكن لك  -كمسلم- أن  تجلس حِلسَ بيتك وتعيش في مساحتك الآمنة، منزويا سالما،  تدخر مالك وجهدك لنفسك، لا تحرك ساكنا ولا تسكّن متحركا، لا تهتم للشأن العام ولا لقضايا أمتك ودينك وبني جلدتك، وقد لا تأبه لواقع مجتمعك الأخلاقي والديني، ولا تعطف على الفقراء والمحتاجين والمستضعفين والمظلومين.. بل وغاضب أيضا على المؤسسات والعاملين فيها، وقد تكون من المثبطين أو الذين يدعون الى عدم رفدها بالدعم المادي والمعنوي، وتنتقد مشاريعها  لبناء المساجد، لكنك بعد ذلك  لن تكون أكثر من متخاذل ومخذّل لأمتك ومجتمعك …

حكى لي المرحوم السيد (مايكل بري) هذه الحكاية: قال : عندما اراد والدك ان ينقل المؤسسة أول مرة الى (شارع وورن)، تحرك العديد من المخذلين في الجالية وحاربوا هذا الأمر، وجئت الى والدك وقلت له بعض الناس في الجالية تقول : مش ممكن، من اين ستأتي الجالية بهذا المال لشراء هذا المبنى، لكن سماحة الشيخ أجاب بكل ثقة :  نعم هذا  ممكن، هذا أمر بسيط.

وحين ارادت مؤسسة المجمع ان تشتري الموقع الحالي على (شارع شيفر)، ايضا تحرك بعض الناس محتجين ضد هذا التوسع ورفضوا هذه النقلة النوعيّة رفضا قاطعا، وأخذوا يشيعون بين أبناء الجالية ان الجالية لا تحتاج الى مركز اسلامي جديد ومباني أكبر: وجئت الى والدك مرة أخرى، وقلت له : بعض الناس في الجالية يتباكون ويقولون : مش ممكن، هذا مبلغ ضخم، هذا أكبر من طاقات الجالية، ولكن سماحته كان يقول: نعم ممكن، كل شئ ممكن، وما ذلك على الله بعزيز، وكان يرد على المتخاذلين بالعمل والصبر، ويقول: المستقبل لنا، الجالية لن تبقى على فقرها، الجالية تتوسع وستخرج قريبا من هذا المستوى المحدود وسيكون من السهل عليها دعم نجاحها من خلال هذه المؤسسات الضخمة.

كان سماحته  يقرأ في كتاب المستقبل، وتجارب العمل الاسلامي الرائدة، وكان يريد ان يأخذ بالجالية الى مستوى بناء المؤسسات الدينية والاجتماعية الضخمة، وكان يطمح الى إنشاء المزيد من  منظمات العمل السياسي والاجتماعي..

واليوم مع ازدياد الحاجات والتحديات ما زلنا نواجه هذا النمط نفسه من الناس: من يسميهم أخي العزيز الدكتور علي ب (ل : Nay Sayers ) .. هؤلاء الذين يقولون غير ممكن لكل شيء ، ولكل محاولة لبناء المؤسسات و نقل المسلمين ومؤسساتهم الى مستوى ارقى..

أيها الإخوة والأخوات نحن نعيش في اميركا، بلاد الفرص والحريات المفتوحة، المستقبل لنا فيها اذا عملنا، فالذي يعمل فيها ينجح، والذي يتحدى المستحيل يصل، وأميركا بحاجة الينا، وبحاجة الى الميزان الأخلاقي الذي يدعو إليه الإسلام، وقد كبرت وازدادت التحديات مؤخرا في أميركا وهناك تعطش للقيم الأخلاقية النبيلة في هذه البلاد، والتحولات الأخيرة خدشت هذه القيم خدشا كبيرا :

حين بدأت المؤسسات الإسلامية بالعمل كان همها الأول وهدفها  الأكبر تأسيس المساجد لممارسة العبادات وتأسيس المراكز والمؤسسات التي لم تكن متوفرة والتي تحتضن جميع العائلات المؤمنة، و تتولّى العناية بأفرادها وأولادها داخل جدران هذه المؤسسات ..

ثم تطور العمل- بفضل الله ودعم المؤازرين- وخرجت هذه المؤسسات للمطالبة بحقوق المسلمين خارج جدرانها وفي الفضاء العام : مثل اطعام الأولاد الطعام الحلال في المدارس الحكومية، والمطالبة بمراعاة حساسيات المسلمين والتزاماتهم الدينية،  والمطالبة بحماية حق المرأة المسلمة بارتداء حجابها ومنع اضطهادها وحمايتها من الممارسات  العنصرية في المدارس والمؤسسات والأعمال، وتحقيق مطالب تعطيل  المدارس في المناسبات والأعياد الإسلامية…

 

 الخروج من القوقعة:

———————

ثم تطور بنا الحال وها نحن في مرحلة الخروج من قوقعتنا الاجتماعية والدينية، ومن مجرد العناية بهوية وأخلاق المسلمين على وجه الخصوص، الى العناية بتعزيز أخلاق المجتمع ككل، بأخلاق اميركا بصفة عامة، و المساهمة في وقف هذا التدهور الأخلاقي الكبير في المجتمع والثقافة الأميركية ..

لقد فهمنا انه لا يمكن ان نحافظ على أخلاق أولادنا وأجيالنا في ظل هذا التطور التكنولوجي الهائل الا اذا ساهمنا في تعزيز القيم الانسانية والدينية السائدة في المجتمع الأميركي أمام محاولات الإلغاء والتبديل.

 

حين حصلت الأزمة الاخيرة، قصة ترويج المثلية للأطفال من خلال الكتب المخصّصة للأطفال في المكتبات العامة، وللطلاب البالغين في مكتبات المدارس الرسمية ، تحركت الجالية المسلمة هذا التحرك المؤثر الذي أثمر وأسفر عن سحب بعض هذه الكتب من المدارس والمكتبات العامة .. حينها اتصل بي أحد الإخوة من فرجينيا، يقول لي : ماذا يحصل لديكم؟! الاعلام كله يتحدث عن الموضوع!!،  فلقد تعاطى الاعلام الأميركي لأول مرة بهذه الطريقة الإيجابية مع مطالبنا و مناشداتنا ، كان هناك تعاطف كبير من الكثيرين من غير المسلمين مع هذه القضية الأخلاقية التي تهم المجتمع الأميركي ككل والتي  تحرك لأجلها المسلمون.. كلّ هذا الجهد التضامنيّ المشترك أحدث هزة اخلاقية ..

لقد انخفض الى حد ما  الصوت الاخلاقي الذي كانت تقوم به الكنيسة في اميركا وارتفع لأول مرة الصوت  الاسلامي الذي يامر علنا بالمعروف وينهى عن المنكر في القضايا الأخلاقية والقانونية التي تهم الكثيرمن المسلمين وغير المسلمين في المجتمع الأميركي. ..ومؤخرا اتصل بي  أحد الاشخاص الذي  يعمل مع الكنائس على المستوى الاخلاقي العام ..وتحدث عن إمكانية العمل المشترك بين الكنائس والمساجد في هذه المجالات الأخلاقية، وهو أمر يشجع عليه الإسلام…

 

إن المجتمع الأميركي  يعيش  اليوم  تحولات تكنولوجية ومادية هائلة، ونجد أثارا سلبية لهذه التحولات التي تترجم ضمورا أخلاقيا،  وتعلن عن نفسها من خلال ابتكارات لقيم ومفاهيم ومعتقدات جديدة ، ومن خلال تشريع لسلوكيات وعادات خطيرة وشاذة  لم تكن مقبولة في المجتمع  الأميركي من قبل، وهذه الابتكارات السلوكية الشاذة والتشريعات الجديدة تدعو حقا الى دق ناقوس الخطر، وتستوجب اعلان استنفار الجهات الدينية والاخلاقية في المجتمع والتعاون فيما بينها للجم الوتيرة المتسارعة لهذا التدهور .. خصوصا اذا شاهدنا الآثار السلبية لهذه التحولات .. فالتطور التكنولوجي ولّد إدمانا لدى المراهقين على ألعاب فيديو خطيرة وسمح لهم باستخدام التطبيقات الأخطر  بواسطة الهواتف الذكية، وسهّل  انتشار الإباحية والوصول الى الأفكار السوداوية المنحرفة  وشراء المواد والحبوب المخدرة، وأدت هذه الأمور الى ظهور الآثارالسلبية مثل ظاهرة العلاقات الجنسية المثلية الشاذة، والعلاقات الجنسية في سن مبكرة ، وظاهرة (الactive shooters  ) مطلقي النارمن قاتلي الأبرياء العشوائيين، وسهولة وصول الأفراد الى المواد المخدرة بعد تشريع مخدر الماريوانا وانتشار ترويجه و تعاطيه في المجتمع ،خصوصا في المدارس والجامعات ولدى أبناء الطبقات الفقيرة ..مع ما يرافق هذا الأمر من أمراض عقلية ونفسية وتزايد في أعداد الجرائم والحوادث ومعدلات الانتحار أو الموت بواسطة الجرعة الزائدة..

 

وأما بالنسبة لتكنولوجيا التطبيقات والسوشيال ميديا فحدث ولا حرج عن اثارها السلبية لدى الجيل الجديد فبعض هذه التطبيقات الحديثة يمجد السلوكيات السيئة  والتصرفات غير المؤدبة  ويحولها الى ما يسمى بالترند أو التوجه العام ، ويجعل لها شهرة واسعة، وهكذا نشاهد كيف تتراجع الآداب لدى المستخدمين الصغار من أبنائنا وبناتنا ويتعرضون لهذا التشويه العميق في أخلاقهم وآدابهم والتزامهم الديني  نتيجة استخدامهم لهذه التطبيقات والهواتف الذكية دون رقيب وحسيب ..

أحد المعلمات التي عملت لأكثر من عشرين سنة في مجال التربية والتعليم، استقالت من منصبها مؤخرا وحكت لنا أنها لا تعرف ماذا حصل للتلاميذ في الفترة الآخيرة، فكل سلوك سيئ اصبح مسليا ومباحا… لقد تراجع الالتزام السلوكي لديهم بشكل كبير، فلم تعد قادرة على العمل معهم، فاستقالت..

 

ومن  خلال عملي التربوي – لاحظت في الآونة الأخيرة- كيف زادت شكاوى المعلمات من سوء أدب هذا الجيل، فلقد تحولت عملية تعليمهم الى أمر منهك ومتعب..وذهبت للعمل معهم وقلت للمدرسات في المدرسة العربية الإسلامية ان الاهل يضعون أولادهم في أمانتنا لكي نسعى الى تنمية وعيهم الديني وحسهم الأخلاقي  وسلوكياتهم ، ولا يوجد بديل آخر لدى الأهل،  وعلينا ان نتحمل هذه المسؤولية الشاقة ونسعى جهدنا، وقد عملت شخصيا مع بعض هؤلاء التلاميذ ولاحظت ان قلوبهم طيبة وطينتهم حسنة ويسهل استعادتهم وتغيير  سلوكياتهم نحو الأفضل،  وما علينا الا العمل معهم واتاحة البرامج الدينية، الا ان كثرة انشغالاتي في المجمع في مجال الالتزام مع أهلنا في  الاسابيع والجنائز والمناسبات والمشاكل العائلية، منعتني من الاستمرار. ففي نهاية المطاف، لست برجل خارق ولا أستطيع ان اقطع نفسي، لذا حاولت الاستعانة  بأحد الإخوة  الشباب ليعمل معنا في مجال تثقيف الشباب، ولاحظت ان الشباب المتدين يمتلك اساليب حديثة للوصول الى هذه الفئة من اولادنا.. ولا يكفي ان يعمل معنا متطوعا فالحاجة اليه كبيرة ومستمرة اذا كنا نريد ان نهتم اهتماما مؤثرا بالجيل الجديد، وحين طلبت من هذا الاخ العمل معنا طلب أجرا معقولا ، لكن حين نظرت الى الامكانات المادية المتوفرة بين أيدينا: علمت ان العين بصيرة ولكن اليد قصيرة  كما يقولون، وفهمت انه من الصعب تلبية طلبه  مع وجود هذه الميزانيات الضعيفة جدا في مؤسساتنا، هذه المؤسسات التي صارت تحتاج الى الارتقاء الى مستوى جذب الطاقات المتخصصة في عدة مجالات للنجاح و الاثمار  في عملها :  نحتاج الى الداعي المتخصص للعمل مع الشباب،  ونحتاج الى الاخت المتخصصة تعمل في مجال الاستشارة الاجتماعية والارشاد والتوجيه والتوعية للبنات، وتحتاج الى  شخص متخصص لحل المشاكل العائلية، نحتاج الى شخص متخصص في مجال السوشيال ميديا والاعلام والدعوة من خلالهما، نحتاج الي المترجم والمعد للمواد الإسلامية الإرشادية، بالاضافة الى بقية الموظفين ممن يعملون في العلاقات الاجتماعية وادارة المؤسسة والموظفين … وهكذا لم يعد بإمكان مؤسساتنا القيام بوظائفها بنجاح في ظل التحولات الحاصلة وفي ظل ازدياد أعداد المسلمين الذين تخدمهم هذه المؤسسات والحاجات المتعددة… .

آن الأوان لإحداث نقلة نوعيّة:

————————

وأمام  هذه التحديات الثقافية والدينية والاجتماعية التي تحاصرنا  في مجال تأدية دورنا وتجعل الأرض تهتز تحت أقدامنا وتهدد حاضرنا ومستقبل أولادنا الديني في أميركا، وصلت الى قناعة قاطعة  مفادها ان مؤسساتنا الدينية لم تعد قادرة على القيام بكامل دورها المنوط بها دون حصول تغيير اساسي في هيكليتها، ودون تطويرها واضافة هذه المجموعة الخاصة من الموظفين الى كوادرها العاملة فيها، نحن  نحتاج الى تنظيم هذه المؤسسات بشكل آخر، وهذا التغيير لا تكفيه هذه التبرعات الزهيدة التي تأتي بواسطة حفلات التبرع السنوية. ولا بد من التفكير بطرق جديدة لرفد مؤسساتنا الإسلامية لتأمين وتلبية حاجاتها المادية المتزايدة التي تتيح  لها مواكبة التحولات والتحديات الأخلاقية في المجتمع والذي يسمح بتجهيزها بالكادر التربوي الكفوء والإداري المناسب…

إن الباطل والضلال والانحراف اليوم ينفق أموالا طائلة لتخريب كل ما هو نبيل وجليل وجميل في حياتنا وحياة أولادنا، وهناك من يدعمه بسخاء منقطع النظير، ولديه الموظفون والرفد المادي وجماعات الضغط السياسي والحملات المؤثرة، فما أحرى المال المسلم أن ينفق في الاتجاه المعاكس الذي يبني الحياة، ويحمي القيم، ويدافع عن الأخلاق والسلوكيات السليمة، ويضغط ويقيم الحملات و البرامج والفعاليات التي تحدّ من سطوة وانتشار الانحراف، بل تعمل على توفير اللقاحات من أي هجوم قادم قد يعرضنا – مع الاهمال أو اللامبالاة- الى الندم أو الفشل أو الخسارة لاسمح الله. و نعيد هنا ما كان المرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين (رحمه الله) يردده ( لاينتشر الهدى الا من حيث انتشر الضلال) بمعنى أن العمل المؤسساتي المنظم  ووسائط الضغط السياسي والتأثير الاجتماعي، والوسائل الاعلامية والتواصلية والتبليغية والتربوية والفنيّة، والتقنية، حيادية، يستخدمها الصالح وغير الصالح كلّ على شاكلته.

Contact Us

We're not around right now. But you can send us an email and we'll get back to you, asap.

Not readable? Change text. captcha txt

Start typing and press Enter to search