ثقافة الخوف السائدة

الواقع … والمتوقَع

الخوف في بلاد القانون!

 ————

      على الرغم من أننا نعيش في (الولايات المتحدة الأميركية) التي تُعتبر من البلاد الأكثر تقدُّماً في العالم، وتُبذَلُ فيها جهودٌ كبيرةٌ لمنع الجريمة وفرض القانون، ويوجد فيها جهاز قضاء قويّ وشرطة مُدرَّبة، إلا أننا أصبحنا نعيش فيها مشاعر القلق والخوف، ولم نعد نشعر فيها بالسلامة والأمان لا في متنزهاتنا وأحيائنا، ولا في أماكن عملنا، بل حتى في مساجدنا وفي بيوتنا وفي مدارس أولادنا، مما يؤسس لما يمكن أن نصطلح عليه بلون سلبي من الثقافة ألا وهو (ثقافة الخوف)!

      وعلى العموم، فنحن في أميركا بتنا نخاف على أولادنا عندما يخرجون إلى الشارع، أو الى أماكن اللهو العامّة، أو حتى إلى مدارسهم أو محلَّات التسوّق التجاريّ، بدون رفقتنا أو رقابة منّا، فقد يأتي شخصٌ ما أو صديق يحمل نوعا من الشذوذ، أو يتعاطى الـمُخدِّرات، أو يبيعها، أو آخر مصاب بنفسية مريضة (وما أكثر هؤلاء مؤخراً!) فيشكّل خطراً داهماً، أو يؤثر سلباً على حياة أولادنا أو على أخلاقياتهم وسلوكياتهم، مما يشعرنا حقا كأولياء أمور بقلق بالغ.

     وقد طرأت – في الآونة الأخيرة- ظاهرة خطيرة أخرى، لا تهدد أولادنا فقط، بل راحت تهددنا أيضا بحيث أصبحنا مضطرين أن نحمي أنفسنا في دور العبادة، كما أننا مُلزمون بحماية ووقاية أولادنا في مدارسهم من مطلقي النار العشوائيين؛ هؤلاء الذين راحوا يقتحمون – على حين غرّة – أكثر الأماكن أمانا واستقرارا كدور التعليم والعبادة  ، فضلا عن أماكن التجمُّع العامة ، ويطلقون النار عشوائياً لإيقاع أكبر عدد من الإصابات في الأرواح البشرية البريئة ، في مشاهد كنا نراها في الأفلام وإذا هي اليوم مشاهد حيّة ومنتشرة في أي مكان!

                               رعب الإحصائيات:

                                ———–

     وإذا انتقلنا الى حديث الأرقام، لرأينا عجبا، فلقد سجَّل العام الفائت تفّشياً مخيفا لهذا النوع من الجرائم، وارتفاعاً خطيراً في معدَّلاته، حيث وثَّقَ الإحصاء الرسمي للدولة وقوع (٤٢٣) حالة إطلاق نار عشوائية في أميركا في العام( 2019)، سقط فيها أكثر من (٢٠٧٠) ضحية من الأبرياء بين جريح وقتيل!

    وبعدما كانت هذه الحوادث الغريبة والمؤسفة تحصل في العقد الماضي مرة أو مرتين في العام، تسارعت وتيرتها لتحدث مرة أو مرتين في الشهر خلال السنوات القليلة الماضية، الى أن راحت تقع حالياً بمعدل (١,1٩) جريمة في اليوم!! أي إن الأمور آخذة بالتفاقم والتدهور ومزيد من الانفلات وبشكل خطير ينمُّ عن حجم المشاكل النفسية والأخلاقية التي يتجه إليها بعض أبناء أو فئات المجتمع الأميركي دون وجود مُعطّل أو كوابح لها.

                                   من بين الأسباب:

                                   ———-

      ولعلَّ السبب الأول لتفشّي هذا النمط من الجرائم هو انتشار تعاطي الكحول والمخدّرات، والترخيص المتساهل في بيع وشراء الأسلحة، واحتقار قيمة الانسان لاسيما المُختَلِف، بالإضافة الى وجود أزمات معنوية وروحية وأخلاقية مستفحلة لدى الجيل الجديد، أو النشىء الذي لم تبنِ القيمُ الروحيّةُ والانسانيّةُ شخصيّتَه العقلانية المتوازنة، وبالنتيجة، فإنّ من مخرجات ذلك الانفلات القيميّ، والاسترخاص  الانسانيّ، نشوءُ مشاعر الخوف والفزع وترقب المجهول في المجتمع الذي راح يشكّ بعضُه في بعض، ويخاف بعضه من بعض، ويتحاشى بعضه بعضا، على الرغم من وجود دوريّات الشرطة تجوب الشوارع ليلا ونهارا، ولوائح القوانين الرادعة والمؤثِّرة الى حدّ ما.

      وقد نصادف – حتى على مستوى العلائق الاجتماعية – في الحي الذي نسكن فيه، شخصاً ودودا في الظاهر يبتسم لنا ويلقي علينا التحية، ومع ذلك صرنا نترك مسافة ما بيننا وبينه، أو حتى بيننا وبين الجيران، حذراً من ذوي الأطوار الغريبة الذين يحملون عقداً نفسية أو شذوذاً أخلاقياً معيّناً. خصوصاً في الآونة الأخيرة، بعد هذا الازدياد الهائل، في أعداد المصابين بالأمراض النفسية، والعُقد المجتمعيّة، والاختلالات العقلية بسبب تشريع (الماريجوانا) (أحد النباتات الخطرة والمخدّرة التي تتسبب في أضرار ومشاكل عديدة) وانتشار الإدمان، وتعاطي العقاقير والحبوب الخطرة، وإفراط الشباب في تناول الكحول والمخدّرات.

                                   أجراس الخطر:

                                   ———-

        وهذا الإنذار ليس (فزّاعات) أو مجرد كلام يُطلق في الهواء من غير إثبات أو دليل، بل هو واقع تُثبته وتؤكّده الإحصاءات الرسمية المتكاثرة للدولة، حيث إن أكثر من نسبة (٥٠ في المئة) من جرائم القتل، وحوادث السير في أميركا تجري بتأثير أو بسبب مباشر من الكحول والمخدّرات. ناهيك عن أن الإحصاءات المُسجّلة تؤكّد بأن الكحول والمخدّرات تؤثّر أيضاً في ارتكاب نسبة عالية من الاعتداءات الجسدية والجرائم الجنسية والضرب المبرح (العنف الجسدي واللفظي)، الاغتصاب… إلخ).

      وأمّا الذين يموتون سنوياً بسبب جرعات المخدّرات الزائدة فحدّث ولا حرج، فقد بلغ عددهم في العام (٢٠١٧)، وحدَه، أكثر من (سبعين ألف) ضحية للأسف الشديد.

      وفي دراسة صدرت مؤخرا عن ضحايا تعاطي الكحول والمخدّرات في الولايات المتحدة، والتي اعتمدت أرقامها على إحصاءات (المركز الوطني للإحصاءات الصحية) (Center for Health Statistics)، تبيّن أن عدد المواطنين الأميركيين الذين قضوا بواسطة تعاطي الكحول قد تضاعف بين عامَيْ (١٩٩٩ – ٢٠١٧) من (٣٦٠٠٠) ألف ضحية في العام إلى أكثر من (٧٣٠٠٠) ألف ضحية!

      وأمَّا الذين تسبَّب الكحول بموتهم من مجمل أعداد الموتى في أميركا، ومن الذين تعدت أعمارهم الـ(١٦) عاماً، فقد ارتفعت نسبتهم من (١.٥) سنة ١٩٩٩ إلى (٢.٦) سنة ٢٠١٧.

      وهكذا فقد أحصت هذه الدراسة الحديثة موت ما يناهز (المليون) مواطن أميركي جراء الكحوليات بين عامَيْ (١٩٩٩و٢٠١٧). وأمَّا عدد الذين سجّلت وفياتهم بسبب تناول جرعات زائدة من المخدّرات فقد بلغ في الفترة نفسها أكثر من (٧٠٠) ألف ضحية. وذكرت الدراسة أنَّ هذه الأعداد هي التي تمَّ إحصاؤها بواسطة بيانات وثائق الوفيات التي ذكرت فيها هذه الأسباب للوفاة، وأمَّا العدد الحقيقي فهو أكبر من هذه الأرقام بكثير.

                                تصوّروا حجم الكارثة!

                                 ————

       تصوَّروا معي هذا العدد الهائل من الضحايا في فترة زمنية وجيزة: أكثر من مليون وسبعمائة ألف إنسان يسقطون خلال تسع سنوات في أميركا ضحايا الكحول والمخدّرات، وهؤلاء في الحقيقة يسقطون ضحايا التيه والضياع وضلال النفوس واختلالها، وضعف الوعي والمناعة، وذوبان الإرادة وانسحاقها، وعدم وجود روادع أخلاقية ودينية أو حتى قانونية فعَّالة قد تحدّ من هذه الآفات والسموم الكارثيّة.

     إن هذا العدد الهائل من الضحايا لهوَ أكبر من عدد سكان العديد من دول العالم، ك(البحرين) أو (كوسوفو)، بل هو أكبر من عدد سكان الكثير من مدن العالم. فماذا -يا ترى- لو أن هذا العدد الهائل من ضحايا الخمور والمخدّرات كانوا مجموعين في مدينة واحدة؟ دعونا نتصوَّر حصول هذا الأمر لا لشيء إلا لكي ندرك حجم الأزمة، وحجم المقتلة المرعبة، وحجم المأساة التي يعيشها المجتمع المادي الأميركي حالياً.

        إن عدد الذين يسقطون سنوياً ضحايا لهذا التعاطي وهذا الإدمان هم أكثر من عدد سكان مدينة (صيدا) اللبنانية مثلاً، وهم أكثر من عدد سكان مدينتَي (ديربورن) و(ديربورن هايتس) مجتمعتين!! فماذا يا ترى -لا سمح الله- لو سقط سكان مدينتين بحجم هاتين المدينتين مثلاً دفعة واحدة في سنة واحدة بسبب التعاطي لمعطلات العقل ومخدّرات الضمير ومفسدات الصحّة الخاصّة والعامّة؟ ماذا لو جمعنا هذا العدد من الضحايا في مدينة واحدة، أفلا يشكّل سقوط هذا العدد في سنة واحدة في مدينة واحدة فاجعة إنسانية تاريخية مهولة؟ أفلا يدقُّ حصد هذا العدد من الأرواح دفعةً واحدةً في سنة واحدة جرس إنذار وخطر عظيم وبكلّ المقاييس؟ أفلا يُعدُّ الكحول والمخدّرات لأجل ذلك داءً خطيراً يجب اقتلاعه، ويستوجب استنفاراً صحياً وأخلاقياً وقانونياً عالمياً لمواجهته؟ أفلا تحتاج هكذا فاجعة إنسانية إلى معالجات ناجعة حقاً؟

                            غياب المعالجة الحقيقية:

                            ————

      لكن هذا الأمر لم يحصل، لا في الغرب ولا في أميركا، بل إن هذه المشكلة تزداد تفاقماً وخطورةً كلَّما تقدَّم الزمن. والسؤال الذي يحق لنا أن نطرحه هنا: أين هي هذه العقلانية الغربية المدَّعاة من هذه الآفات المُهددة لسلامة المجتمع بأكمله؟ أليس هناك تجارب تاريخية ناجعة على هذا الصعيد، ومجتمعات معينة أكثر أمانا وسلاما يمكن الاستفادة منها، ويمكن للعالم الغربي أن يتعلَّم منها كيفية معالجة هذه الآفات أو الحدّ منها؟

     تُرى ما هو الحلّ الأنسب لكل هذه الآفات الخطيرة؟ بربكم ما هو؟ وأي العلاجات كان هو الأجدى والأنجح والأصلح عبر التاريخ؟

      إن مثل هذه الآفات لا يمكن، بل قد يستحيل (وسيستحيل) معالجتها بواسطة المعالجات القانونية والطبيّة فحسب، لأنها تحتاج – إضافة الى هذا وذاك – إلى معالجات أخلاقية وإصلاحات دينية وروحية بالدرجة الأولى. ولقد أثبتت التجربة الإسلامية، وواقع وتاريخ المجموعة البشرية التي اعتنقت الإسلام ديناً، أن المعالجة الأكثر فاعلية قد تمَّت بواسطة الوازع الديني، وروح التقوى، وبناء المحتوى الداخلي للإنسان أخلاقيا وتربويا، وأن يعيش الإنسان علاقةً رصينة مع الله في أبعاد حياته وفي شؤونه كلّها.

     لقد قارن السيد الشهيد (محمد باقر الصدر) (رض) وهو يتحدث عن الحريات في العالمين الغربي والاسلامي، بين معالجتين لآفة تعاطي الخمور في كتابه (المدرسة الإسلاميّة) حيث قال (( لقد استطاعت الأمة التي حررها القرآن – حين دعاها في كلمة واحدة الى اجتناب الخمر- أن تقول (لا)، وتمحو الخمر من قاموس حياتها، بعد أن كان (أي الخمر) جزءاً من حياتها، وضرورةً من ضروراتها، لأنها كانت مالكة لإرادتها، حرّةً في مقابل شهواتها ودوافعها الحيوانيّة. وبكلمة مختصرة، كانت تتمتع بحرية حقيقية تسمح لها بالتحكّم في سلوكها)).

      ويضيف (رحمه  الله) مقارنا ذلك مع ما جرى في أمريكا من محاولة قديمة أو تجربة منع تعاطي الخمور في القرن  الماضي : ((وأمّا تلك الأمة التي أنشأتها الحضارة الحديثة، ومنحتها الحرية الشخصيّة بطريقتها الخاصّة، فهي بالرغم من هذا القناع الظاهري للحرية،  لا تملك شيئا من إرادتها، ولا تستطيع أن تتحكم في وجودها، لأنها لم تحرر المحتوى الداخلي لها، حتى فقدت حريتها إزاء تلك الشهوات واللذاذات، فلم تستطع أكبر حملة  للدعاية ضدّ الخمر جنّدتها حكومة الولايات المتحدة الأمريكيّة أن تُحرر الأمة الأمريكيّة من  الخمر، بالرغم من الطاقات الماديّة والمعنوية الهائلة التي جنّدتها السلطة الحاكمة، ومختلف  المؤسسات الاجتماعية في هذا السبيل. وليس هذا الفشل الذريع (والرأي للسيد الصدر) الا نتيجة فقدان الانسان الغربي للحرية الحقيقية، فهو لا يستطيع أن يقول (لا) كلما اقتنع عقليا بذلك ، كالإنسان القرآني، وإنما يقول الكلمة حين  تفرض عليه شهوته أن يقولها، ولهذا لم يستطع أن يعتق نفسه من أسر الخمر )) (ص٩٨).

      وهذا ما يُعتَرف به بشكل صريح هنا في أميركا اليوم، وقد أعلنه بوضوح صاحب الكتاب الذي يُسمَّى، أميركياً، ب (الكتاب الأكبر): واسم هذا الكتاب “مدمنو الكحول مجهولو الأسماء” Alcoholics Anonymous لوليام ولسن. وقد حاز هذا الكتاب على شرف تسميته أيضاً بـ”الكتاب الأميركي الأهم” من (مجلة التايم الأميركية) ومن (مكتبة الكونغرس) نظراً لنجاح طريقته ولاستناده على المراحل التي لا بد من اتباعها للشفاء من أي إدمان، والذي يعلن فيه مؤلفه  وليام ولسنWilliam G. Wilson   بأن الممارسة الروحية المنظَّمة هي الأسهل والأجدى في الخروج والتعافي من اضطراب تعاطي الكحول أو أي إدمان آخر، وأن الحل الأساس في طريقة العلاج لكل من يعاني من هذه الأمور هو أن يؤمن بموجود أعلى وقوة عليا هي الله، وهي الوحيدة القادرة على أن تعيد لنا وعينا بأنفسنا ومصالحها بعدما لعبت الخمور والمخدرات بعقولنا وبصحتنا!

     الجدير بالذكر، أن Dr.Wayne W. Deyr)) صاحب كتاThe  Power of Intention وهو أمريكي يعيش في بلدٍ أجنحةُ الخمور في أسواقها ومتاجرها مثل أجنحة الأغذية في كل مكان ، يقول عن تجربته في الكف عن تعاطي الخمور ((شعرت بأنه قد تم اصطفائي لكي أعلّم الآخرين الاعتماد على الذات، وذلك من خلال كتاباتي ومحاضراتي وأحاديثي. كان العديد من أساتذتي قد ُأوصوني بوجوب الإقلاع عن تعاطي الخمور نهائيا كشرط أساس لإنجاز هذا العمل الذي تم اصطفائي للقيام به. في المراحل الأولى من هذا التغير الدرامي في حياتي، شعرت بأن هناك قوة تساعدني كلما شعرت برغبة ملحّة في استعادة عاداتي القديمة، وتناول القليل من الجعة (مشروب كحولي) كدأبي كل مساء. وفي إحدى المرات، كنت وصلت الى قمة ضعفي وخرجت بالفعل لشراء الجعة، ولكنني فوجئت بأنني نسيت نقودي.. وفي الدقائق التي قطعت فيها طريقي عائدا الى المنزل لإحضار النقود، أعدت تقييم إرادتي الحرّة، واخترتُ أن أبقى متسقا مع عزمي. بعد مرور الأسابيع الأولى، وجدت أن مثل هذه الأحداث تحصل بانتظام، وكانت الظروف تأخذني بعيدا عن المواقف التي تثير في نفسي الرغبة في تناول الخمور))!! وهذا هو نفسه الذي تتحدث عنه التربية الاسلاميّة وتسمّيه ب (الجهاد الأكبر) أي مجاهدة النفس.

                                طريق العودة الى الله:

                                 ———-

       من هنا نقول إنه لا بد أن يعود المجتمع الأميركي يوماً الى الله، والى القيم الانسانية الحيّة، والفضائل الأخلاقية التي أثبتت نجاح تجربتها على مدى زمني طويل، وإلى دين الإسلام بالخصوص، لينهلوا من أخلاق و ثقافة (معالجة الخوف و الانحراف) التي تجر الويلات والكوارث -إدمانا على  الخمر والمخدرات، أو استسهالا لجرائم السرقة والقتل و غيرها – وليس بالضرورة أن يعتنقوا الدين الاسلامي، بل يمكنهم الرجوع إلى كلام الله المجيد في القرآن الكريم الذي يخاطب به الله البشر جميعاً، وإلى تعاليم النبي محمد (ص) الذي أرسله الله رحمةً للعالمين، وهو حقاً رحمةٌ للعالمين ولطفٌ من الله بهذه البشرية جميعاً، فلا نجاة إلا باعتماد القيم الصالحة الطيّبة التي جاء بها الإسلام و أرسى قواعدها بين الناس… لا بد أن يعود المجتمع الأميركي إلى (أحضان فطرته) والى الأحكام والتعاليم الإلهية في الأخذ بالحلال النافع واجتناب الحرام الضار، وفي التمييز بين الخبيث والطيب، ليجد في كلّ ذلك الحلول والمُعين لمشكلاته الروحية والأخلاقية ولمآزقه الاجتماعية المتعاظمة.

     وإذ يُقال اليوم إنه لا بدَّ للمجتمعات الإسلامية من الاستفادة من التجربة الأميركية في أنظمة الدولة وقوانينها والمشاركة الديموقراطية أو في مسائل التحديث والنظام العام والارتقاء المادي والعمراني أو في العقلانية، فكذلك نقول إن المجتمع الأميركي والغربي يحتاج اليوم إلى دين الإسلام للاستفادة من تعاليمه وقيمه وقوانينه وإرشاداته، والمساعدة في الارتقاء الروحي والمعالجات الأخلاقية والنفسية والسلوكية، وذلك هو معنى (التعارف) الذي دعا اليه القرآن كغاية من غايات تعدد الأمم والشعوب والثقافات والتجارب!

       ومهما صُرِفَت الأموال الطائلة هنا، وشُيّدت المستشفيات، وفُتحت المصحَّات العقلية، أو السجون الإصلاحيّة، ووُضعت القوانين الصارمة، وعُزّزت شروط السلامة المادية من شرطة ومراقبة الكترونية وكاميرات وتكنولوجيا، فإنّها لم تستطع، ولن تستطيع أن تُطمئن الشعب وتنزع عنه كوابيس الخوف والقلق والتوجُّس، وحالات انعدام الثقة الأمنيّة بين الناس في المجتمع الأميركي، ولن تتمكن من أن تضع حداً لكل هذا العذاب الروحي، والعقد النفسيّة، وتلك المشاكل والانحرافات والجرائم، ولكلّ هذا الإدمان والشذوذ والعنف في المجتمع. لن تستطيع أن تعالج هذه النفوس المختلَّة، ولن تقدر مهما سعت أن تخلق أجواء اجتماعية تسودها الثقة والطمأنينة والتآلف بين الناس، مادامت معتمدة على (سلطة خارجية) قانونية لم تستكملها ب (سلطة داخلية) أخلاقية تبني المحتوى الداخلي للإنسان ليكون ذا ضمير حيّ ويقظ ويعمل كشرطي وضابط داخلي يوازن تصرفاته، ويكبح جماح اندفاعاته الهائجة، ويحاكم سلوكياته غير محسوبة العواقب!

                                     العلاج الأوحد:

                                     ———

      وحده الله سبحانه وتعالى قادر على بعث وتأمين هذه الأجواء من جديد. وحده قادر على خلق هذه الروحية في القلوب وبين النفوس. وحده دين الله السليم ونهجه القويم الذي ارتضاه للبشر أجمعين، قادر على تقديم العلاج للنفوس القلقة والفزعة، ولكلّ هذه القلوب المريضة والمعذّبة، بل وقادر على مدّها بالإرادة للخلاص والعيش بألفة وسعادة.. إنه (قارب النجاة الوحيد) أو قل (سفينة الانقاذ) في خضم الطوفان!

      إنّ هذا الدين القيّم الذي شرَّفنا الله سبحانه وتعالى به، واجتبانا لكي نحمل رايته الى هذه البلاد؛ هذا الدين لا يكتفي بتهذيب السلوك والغرائز عبر وضع الأحكام والحدود فقط، بل إنه يعمل على تنمية الإرادة والعزيمة في الإنسان ويقوّي في حسّه الوازع الأخلاقي والرادع الديني من خلال زيادة الإيمان والإكثار من التقوى، ويُلطّف أحاسيسه ومشاعره بالشفقة والرحمة والمودَّة، ويفتح أمامه ميادين العمل الصالح، ويُرغّبه في الإكثار منه بالثواب العظيم.

                           من وسائل الأمن المجتمعيّ:

                             ————-

      لا يكفي أن نسحب رخص السلاح من السوق أو أن نحدد طرق بيعه واستعماله، كما لا يكفي أن نراقب المحلات المشبوهة التي تتعاطى الممنوعات، ولا يكفي أن نباغت ونلقي القبض على بعض تجّار المخدّرات، وإن كان ذلك كلّه نافعا وضروريا ولابدّ منه ويساعد في تجفيف منابع الخوف والقلق ويفرض سلطة وهيبة القانون، لكننا نعتقد أن (الوقاية خيرٌ من العلاج)، وأن التوعية والتثقيف والتربية الصالحة تحول دون الكثير من الخروقات الأمنية التي تهدد سلامة المجتمع في الصميم. ونحن هنا إذ نقدم جانبا من مقترح العلاج الاسلامي لمهددات الأمن المجتمعي، وكيفية قدرته على تقليص نسب الجريمة الى أدنى حدّ، نوصي بأن تقوم الجهات المعنيّة ومراكز الدراسات والبحوث الانسانية، بدراسة أسباب انخفاض الجريمة وتعاطي المخدرات في أحياء الجاليات المسلمة لتكون نموذجا معتمدا يساعد على خلاصات ميدانية يمكن أن تنفع المجتمع ككل.

     ولأننا لسنا بصدد دراسة تفصيلية سنكتفي ببعض الاشارات السريعة ذات الدلالة على أن تحقيق الأمن المجتمعي يتأتى من تربية أخلاقية عالية أولا، وهذه بعض  المبادئ التي نستوحيها من كتاب الله (القرآن) الكريم :

١-مبدأ السلام:

———

       إنّ التحيّة في الاسلام (السلام عليكم) جميلة جدا، ومعبّرة جدّا، بل هي أجمل وأكمل التحايا التي تعارفت الانسانيّة عليها، والأجمل منها معرفة معناها ودلالاتها، فالمسلمُ هنا لايُلقي التحية المجاملاتية فقط، وإنما هو يعبّر عن ضمير روحي، ومكنون أخلاقي، ومفهوم إنساني، وهو أنني (مُسالِم) لا أسيئ ولا أعتدي ولا أظلم.. وهذه هي رسالتي للمتلقّي: أنتَ في مأمن منّي! فأنا مأمون الجانب، والسلام عليكم مخاطبة الجمع وليس الفرد فقط، أي كلّ الناس من حولي آمنون!فأنا من حَمَلة السلام ودعاته، ومن الساعين الى نشره على أوسع نطاق. هذه رسالتي -كمسلم- الى العالم أجمع!

     أمّا المتشددون والمتطرفون من المسلمين، والذين لا يفهمون الا لغةَ العنف مع (المُختَلِف) و(المُخالف) فليسوا من سلام الإسلام العالمي في شيء، شأنهم شأن أيّ متعصّب أو متطرف آخر في أي مكان في العالم. هم (المُنفّرون) بحسب وصف النبي محمد(ص) لهم !

٢- مبدأ التعارف والتحابب الإنسانيّ:

———————

       يشير سبحانه وتعالى في كتابه الكريم الى هذه الفائدة الرائعة التي يحققها الإيمان بالله والاتصال بوحيه وكلامه وبتعاليمه:

(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ. إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

     تُرى ما الذي يستطيع أن يُؤلّف بين قلوب الناس ويجعلها تتصل في ما بينها اتصالاً يُشعرها بالثقة والطمأنينة والأمان العميق؟ ما الذي يستطيع أن يردع الإنسان من عمل الأمور التي قد تتلف دماغه أو تخرّب حياته أو تجعله ينزلق الى الانحرافات الأخلاقية والسلوكية؟ ما الذي يستطيع أن يُقوّي إرادة الشباب ويُعزّز حالاتهم النفسية وخياراتهم العقلانية في الحياة؟ ما الذي يستطيع أن يردعهم عن تعاطي الحبوب والمخدّرات، واستسهال قتل الأبرياء، ويحدّ من انتشار الأمراض والاضطرابات النفسية والسلوكية بينهم؟ ما الذي يستطيع أن يُقلّل من احتمالية موت هذا العدد الهائل من الناس بواسطة الجرعات الزائدة أو بسبب الانتحار أو بسبب الجرائم المتصلة بتفشّي ثقافة العنف والسُّكْر والتحلُّل على اختلافه؟ ما الذي يستطيع أن يزرع التقوى في القلوب والمحبَّة في النفوس ويُشجّع أفراد المجتمع للعيش في جوّ من الألفة والرحمة؟ ما الذي يستطيع أن يُطهّر القلوب ويزكّيها ويعيد لها صفاءَها وتقواها وينقّيها من الشهوات الآثمة ويردعها عن ارتكاب الموبقات وكلّ هذه الانحرافات الأخلاقية والسلوكية؟

       إنه ذكر الله سبحانه وتعالى، أن يكون اللهُ حاضرا في (عقلك) و(وعيك) و(وجدانك) .. إنه الاعتقاد بالله (مثلاً أعلى) والالتزام بهديه وتعاليمه، إنه زرع التقوى في القلوب والرحمة في النفوس، واستشعار قيمة النوع و الوحدة الانسانية (( كلّكم من آدم وآدم من تُراب))! إنه الجانب الروحي والوازع الديني والرادع الأخلاقي الذي وضعه الله سبحانه وتعالى، والذي يلهم النفوس توازنها وتقواها، والذي يؤلّف بين قلوب الناس ويشفي النفوس المريضة ويعيد للمجتمع أواصر الألفة والمودَّة والرحمة.

    عندنا في الاسلام، وفي صُلب عقيدتنا، أنّ ((الدين هو الحبّ)) وأنّ أعظم شُعب وفروع الإيمان هو التحابب في الله، أن يكون كلٌّ منّا -بغضّ النظر عن ديانته، وهويته، وقوميّته، (إنسانَ الله)!!

    هي ذي قيمة هذا الدين الإلهي العظيم والذي تفوَّق على كل هذه الأسباب المادية التي لم تجلب لنا الطمأنينة والسكينة والاستقرار والتوازن في النفوس.

ولذلك لا بدَّ من أن يـبقى الجانب الروحي والأخلاقي هو الـمُهيمن والـمُسيطر والـمُنظّم لسلوكيات الناس، بحيث يـبني ضوابط المحبَّة والمودَّة والرحمة بينهم، بعيداً عن كل هذه العلائق المشحونة والتصرُّفات الفاسدة وأجواء التحلُّل والعنف.

    مُقترَح للدرس والتطبيق إن أمكن:

    ——————

      نحن نعرف أن ليس في مدارس الولايات المتحدة منهاجا أو درسا للدين، نظرا الى أن البلد متعدد الديانات، ولأنه يلتزم العلمانيّة  أو  (الحياد الديني)، ولا ندعو هنا الى استحداث درس للدين، وإنما نستعيض عنه بدرس يمكن أن نصطلح عليه ب ( الأخلاق الانسانية) ، ويمكن للمؤسسات التربوية في ميشغان -مثلا- أن تبادر الى اعتماد منهج تربوي أخلاقي (غير مادة الدراسات المجتمعيّة) مستوحى من (روح الأديان) لأن رسائلها وكلماتها وأخلاقها متقاربة، ويمكن أن يجتمع ممثلون عن مختلف الأديان لوضع هذا المنهاج الذي يغطي حاجة أساسية تفتقر اليها مدارسنا وتشتكي من نقصها أجيال وأجيال! ويوضع البرنامج قيد التطبيق، وتُدرس النتائج والآثار المترتبة عليه، فإن نجح وآتى ثماره أمكن تعميم وتوسعة التجربة الى ولايات أخرى!

                            العمل على تقوية الجانب الروحيّ:

                            ——————

     إنّ الجانب الروحي يُغلِّب ويمنح الأولوية للتأليف بين القلوب والرحمة بين الناس فوق المصالح المادية والحياتية البعيدة عن القِيَم والأعراف والضوابط الشرعية السليمة.

    لقد استطاع الإسلام أن يُؤلِّف بين قلوب الأفراد في المجتمع الجاهلي المشتَّت والمتفرِّق، وبين المجتمعات والقبائل الـمُتضادَّة والـمُتـناحرة، التي كانت تعيش أقصى حالات الجهل والتخلُّف. ولقد رفض الإسلام في تعاليمه أيضاً الفصل والتمييز العنصري بين البشر على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الأصل القومي. ومنذ فجر الإسلام، أي قبل (١٤٠٠) عام، ألغى الإسلام الفوارق بين الناس وأكَّد على المساواة بين جميع أفراد المجتمع، وحث على التكافل الاجتماعي والاقتصادي، ومدّ يد العون لكلّ أصناف الفئات الفقيرة، ووضع التقوى كأساسٍ أوحد للتفاضل والتكريم  بين الناس. وأمرنا الله في كتابه الكريم بالتعارف والانفتاح الإنساني على مختلف المستويات، فقال سبحانه:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ. إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). وقد ورد في الحديث الشريف: ((لا فرق بين عربيّ ولا أعجميّ إلا بالتقوى)).كما جاء عن الإمام علي (ع) قوله(( الناسُ صنفان :فإما (أخٌ لك في الدين) أو (نظيرٌ  لك في الخَلق) .)) وبذلك أغلق الباب بوجه كلّ العنصريات والمتمايزات، والعقد الدينية، والفواصل الانسانية!

     بهذا وضع الإسلام وسيلة الشفاء من آفة (التمييز العنصري) في صميم تعاليمه. أمَّا هنا في الولايات المتحدة التي تُعدُّ من أرقى البلاد في تقدُّمها المادي والتشريعي، فلم يتم العمل على التخلص من هذه الآفة وإنهاء الفصل والتمييز العنصري بين المواطنين إلا بعد منتصف القرن الماضي حيث جرى تعديل القوانين وأُسقطت القوانين والممارسات العنصرية وتم منع الفصل العنصري. وقبل ذلك كان المواطن الأبيض يتميَّز ويتفوّق على المواطن الأسود ويأخذ حقوقاً مضاعفة.

٣- مبدأ التعاون الصالح:

————–

     إنّ ثاني أهم مبدأ من مبادئ الأمن المجتمعيّ بعد (مبدأ التعارف) هو (مبدأ التعاون الصالح)، ذلك يجمع شتات الأمم والشعوب والمكوّنات، وهذا يضع الوسيلة لتلك الغاية، يقول تعالى (وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)(المائدة/٢).

     إنّ التعاون على (البرّ) بما يعنيه من الاحسان وخدمة مصالح الانسانيّة، والتعاون على (التقوى) بما يفيده من مراعاة الضوابط الأخلاقية في بناء العلاقات، وإدارة الأزمات، يصلح أن يكون أفضل شعار يمكن للأمم المتحدة أن ترفعه للتخفيف من وطأة الحروب والمنازعات والتفرقة والاستيلاء والمصادرة والاستضعاف.

    ٤- مبدأ احترام الآخر!

—————-

        يقول تبارك وتعالى في كتابه الكريم في قاعدة من كبريات قواعده على صعيد العلاقات الدوليّة، أو الثنائية بيننا -بصفتنا مسلمين- وبين الآخر، مهما كان جنسه وعرقه وديانته: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يُقاتلوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتُقسطوا إليهم إنّ الله يُحبّ المُقسطين) (الممتحنة/٨).

      ولو أردنا أن نستعير ل(البرّ) المصطلح الرسميّ لقلنا إنه أعلى وسام تمنحه الانسانية لمن يستحقه، هو وسام من الدرجة الأولى! فإذا كان كتاب المسلمين (القرآن) يُوصينا بأنّ نبرّ ونُقسط الى الآخرين الذين لم  يُحاربوننا في ديننا، ولم يعملوا على نفينا  والتآمر علينا، فإنه يدعونا الى (تكريم) الآخر وليس الى (احترامه) فقط !!

      أما سؤال: أين هذا في حياة المسلمين؟! فجوابه، أنّ الاسلام وضع معايير وضوابط دقيقة، وعلى ضوئها نعرف منْ المسلم ممن يدّعي الاسلام، تماما كما في كل الديانات والمذاهب والمدارس والتيارات، ذلك أنّ من بين أهمّ مفاهيمنا الاسلاميّة القيميّة ((الإيمانُ عملٌ كلّه))!

     ونحن إذْ نعيش الإسلام في عقولنا وجوارحنا، علينا أَنْ نتخلَّق بروحيته، فنحضر إلى المساجد باعتبارها (عواصم روحيّة) ونأخذ منها المحبَّة والمعرفة والأخلاق، وننفتح من خلالها على إخوتنا في الدين والعقيدة، ونبتعد عن التعصُّب والعنصرية والكراهية، مؤسّسين دائماً للتصرُّفات الحميدة في المجتمع والحياة، ولثقافة التسامح والانفتاح والتعاون، وروحية الألفة والمودَّة والرحمة. ورد في الحديث النبوي: ((مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))

.وفي حديث آخر (( المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضُه بعضا ))!

     ورُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ((رأس العقل بعد الإيمان باللّه التحبُّب إلى الناس)).  وتلك دعوة من أمير المؤمنين إلى التحبُّب إلى الناس كافة، القريبين منا والبعيدين، المسلمين وغير المسلمين. وهكذا يُروى عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ((رأس العقل بعد الدين التودُّد إلى الناس، واصطناع الخير إلى كل بر وفاجر).

                       رسالتنا الى أبناء وبنات جاليتنا المسلمة:

                       ———————-

      تلك هي مبادئ الإسلام وأخلاقياته العظيمة التي ندعو للتخلُّق بها والانفتاح من خلالها على الناس في المجتمع الأميركي. وهذه هي المبادئ التي تدعو الى نشر (الرحمة والتراحم) و(الأُلفة والتآلف) و(المحبّة والتحابب) و(السماحة والتسامح) بين أفراد الناس جميعاً، وما لـمْ نتحلَّ نحن المسلمين بذلك أولاً ليتحوَّل إيماننا الى أخلاق عملية ومعاملة حسنة مع الناس واستقامة والتزام ديني، فلن نكون مسلمين حقيقةً، بل لن تكون دعوتنا الى الاسلام وقيمه الانسانيّة العظيمة ذات أثر فعّال.

      إننا مدعوون كي نعيش قيم (الصدق) و(الأمانة) و(الاستقامة) و(المحبة) و(الاحترام) مع كل الناس في المجتمع بكلّ أطيافه، لكي نكسر الحواجز المصطنعة، ولكي يقتربوا منّا أكثر ويُحبّونا أكثر، فيترك ذلك أثراً كبيراً في نظرتهم إلينا وإلى الإسلام. هذا الدين الذي قد يعمل بعض منْ يجهله هنا في أميركا على معاداته وبث الرهاب منه مع أن فيه سلام وخلاصَ المجتمعِ ودواءَ دائه.

     ومع كلّ الذي يحدث حالياً، ومع كل ما يقال وما نُتَّهم به زوراً وبهتاناً، وما يُمارس ضدنا كمسلمين، مع كل ذلك فلا بد من الصبر، ولا بد من اتحادنا وإيماننا، ولا بد من الدفع بالتي هي أحسن: يقول سبحانه وتعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ. ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).

ويقول عزَّ وجلَّ: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).

    ونحن مطالبون أيضاً طبقاً لبيانه سبحانه وتعالى أن ندرك دورنا هنا في أميركا وبين شعوب الأرض جميعاً، وأن نعمل لكي نمتلك المعرفة الدينية والروحية الإسلامية، وأن نمارس الدعوة الإسلامية. يقول سبحانه وتعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ).

ويقول سبحانه وتعالى:

(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عزِيزٌ حَكِيمٌٌ).

       هذه هي مبادئ الإسلام التي تحفظنا وتصوننا، وهذا هو ديننا الذي شرَّفنا الله تعالى به، وتلك هي تعاليمه العمليّة السمحة، وهذه هي الحاجة الماسَّة إليه، وهذا هو الدور الذي يطلبه منا ويدعونا إلى القيام به، أن يتحوَّل وجودنا هنا ووجود جالياتنا المسلمة إلى مشروع ونواة (سفينة نجاة) للمجتمع، وأن نتحلَّى بالشجاعة والاندفاع والالتزام والصبر في سبيل ذلك، لنصل إلى كل هذه الأهداف السامية الـمُشتركة في الإيمان والتآلف والمحبَّة بين أفراد البشر.

Contact Us

We're not around right now. But you can send us an email and we'll get back to you, asap.

Not readable? Change text. captcha txt

Start typing and press Enter to search