علاقةُ المسلمينَ بالمسيحيين

25 كانون الثاني 2021

 

إطارُها القرآنيّ .. ومداها الانسانيّ
———————–

على عتبة أعياد الميلاد:
———————–
ها قد أغلقت المدارسُ أبوابَها، وراح أولادُنا يتمتعون بعطلةَ أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية الجديدة (الكريسمس).وهي عطلٌة رسميّة في اميركا، حيث يحتفل المسيحيون في كل عام – وعلى نطاق واسع- بذكرى ولادة السيد المسيح نبي الله عيسى ابن مريم (عليه السلام)، من وجهة نظرهم، وبما هو مثبّت في لائحة مناسباتهم وروزناماتهم التاريخيّة.
وتعدّ هذه المناسبةُ هنا في اميركا فرصةً لاجتماعنا بأولادنا وأحبابنا وأرحامنا للتحدث مع أبنائنا وبناتنا الصغار عن حقيقة المسيح وأمه مريم (عليهما السلام)، وعن سيرتهما العطرة، كما وردت في القرآن الكريم، وعن القيم الالهية المقدسة التي دعا اليها السيد المسيح (عليه السلام)، ودعا اليها جميع الأنبياء بلا استثناء، وأيضا عن الفروقات العقائدية بين الديانتين الاسلامية والمسيحية. حيث ينبغي ان يعرف أولادنا أنّ الاسلام هو دين التوحيد الذي أمرنا الله سبحانه بتبليغه لكل الناس حيث قال سبحانه : (قل هو الله احد، الله الصمد.لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد) ( الإخلاص/1-4)وأنّ كوننا نعيش في بلاد غير إسلاميّة لا يغيّر من معتقداتنا الدينية شيئاً، تماما كما أن المسيحيين في بلداننا الإسلامية يحترمون عقائدهم ويمارسون طقوسهم بحرّية، ولا يغيّرون من التزاماتهم الدينية..

لماذا الاحتفال بعيد الميلاد؟

———————–
وقد يطرح أولادُنا في هذه المناسبة عددا من الأسئلة المتعلّقة بها، من قبيل: لماذا لا نحتفل بعيد الميلاد كما يحتفل المسيحيون به من حولنا؟ ولما لا ننصب في بيوتنا شجرة عيد الميلاد شأننا شأنهم؟ ما هي قصة السيد المسيح في القرآن، أو بالأحرى ماهي صورته التي رسمها القرآن، فلا نحتاج الى عناء البحث عن صور محرّفة أخرى هنا وهناك؟ وما هو سبب الاختلاف- في وجهات النظر الدينية- بيننا وبين الاخوة المسيحيين حول المسيح وأمّه مريم (عليهما السلام)؟ وقد يسألون- تبعاً لذلك- هل يجوز الاحتفال بهذه الأعياد، وتبادل الهدايا، وتهنئة جيراننا وزملائنا المسيحيين؟ وربما يسألون ماهو أبعد من ذلك، فيقولون: ما هو سرّ تعدد الرسل، وتعدد الأديان الالهية، ولماذا لم يُنزل اللّه ديناً واحدا لجميع الناس منعاً للاختلاف؟ بل لماذا الاختلاف بينها إذا كانت جميعا من عند اللّه؟ وكيف يعرف الانسانُ الدينَ الحقّ عند الله مع هذا التعدد بين الأديان السماوية؟
هذه الأسئلة وأشباهها طبيعيّة جداً في أي بيئة مختلفة دينيّا

سؤال الاحتفال
———————–
كلّما كانت إجاباتنا عن تلك الأسئلة واقعيّة اكثر وغير مجاملة، فَهِم أولادنا أنّ لكّل دين خصوصياته، وأن لاأحد يجبر أحداً على اتباع دينه مالم يقتنع عقليا بصلاحية ذلك دين للحياة أكثر من غيره، ونعني بصلاحيته قدرته على الاجابة عن الأسئلة التي نطرحها عليه. لابدّ ان نوضح لأبنائنا وبناتنا ممن يتلقون معلومات خاطئة من المحيط المدرسي أو الإعلاميّ، أن لنا اعيادنا وللمسيحيين اعيادهم، هم يحتفلون بأعيادهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، ونحن نحتفل باعيادنا بالطريقة المناسبة ،فإذا كان بعض المسيحيين يشربون الخمر في ليلة رأس السنة أو يرتكبون المخالفات، فلا يبرّر لنا التشبّه بهم، كما أنهم لايقلدوننا في أعيادنا سواء ميلاد النبي (ص) أو ميلاد المهدي (ع) أو في عيدي الفطر والأضحى..
وزينة الأعياد ليست سوى التعبير عن الفرح، فكما نزيّن بيوتنا في شهر رمضان بالنشرات الضوئيّة والأقمار المنيرة ترحيباً بالشهر، كذلك يزينون بيوتهم بالشجرة المعروفة، وهذا – كما قلنا من التعبير عن الابتهاج، ولو لم يقم المسيحي أو المسلم بالتزيين فلا يقال هذا ليس مسيحياً وهذا ليس مسلماً، أي لا علاقة لذلك بالدين ، ولا ذلك من طقوسه.
وأمّا تبادل التهاني مع جيراننا أو زملائنا المسيحيين بمولد السيد المسيح، فهو من اعتبارنا أن مواليد الأنبياء جميعا فرصة لشكر الله على أنه أرسل لنا الأنبياء الذين هم هدايا السماء للأرض، لأنهم الهداة المعلّمون الذين يوصلون الينا تعاليم السماء لنعيش حياةً أفضل، كما أنها مناسبة لتقوية الأواصر مع من نعيش معهم على مقاعد الدراسة أو في سوق العمل بإظهار التمنيات الطيّبة، ويبقى كلّ منا محتفظا ومحافظاً على التزاماته الدينية ولا يفسد ذلك للدين قضية…

سؤال تعدّد الرسل
———————–
ّوبالنسبة لسؤال تعدد الرسل، فجوابه أنّ الله سبحانه وتعالى لم يبعث الأنبياء دفعةً واحدة، بل بعثهم في فترات متباعدة بحسب حاجة الناس، وتطوّر الزمن، وتكامل النضج البشري، ولذلك ورد عن النبي (ص) ((إنما بُعث لأتمّم مكارم الأخلاق))(رواه البخاري). ولقدكرّم الله تعالى الانسان بالعقل والادراك للبحث والنظر، ومكّنه بواسطة ذلك العقل والادراك من التعلم من الأنبياء والرسل واكتساب العقائد الحقة والاخلاق الفاضلة، وأعطاه مع ذلك حرية الإيمان، فهو إن شاء آمن بالرسل وتعلّم واهتدى وشكر، وإن شاء كفر، لكنه يتحمل مسؤولية الاستجابة لنعمة العقل فهو مسؤول أمام بارئه يوم القيامة عما يجنيه من خيارات وأفكار ومعتقدات، ويقوم به من تصرّفات، يقول سبحانه وتعالى:
( وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَءَامَنَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مؤْمِنِينَ(يونس/99)(
ومع وجود نعمة العقل فإن الانسان قد يتملّكه الوهم والزيغ والهوى ويضع على عقله حُجبا كثيفة تمنعه من اختيار الحقيقة، وقد يرتبط بالخرافات والديانات المحرّفة ظنّا منه انها دين الحق، فتسلب منه فائدة العقل والإدراك، فيرسل الله بلطفه مزيدا من الرسل لإيقاظه وتوعيته وتحصينه، وليبينوا له الصالح من الفاسد، وليعيدوه إلى الصراط المستقيم من جديد، يقول سبحانه وتعالى:({ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطاغوت)(النحل/36)}
كما أننا يمكن أن نشبّه تعدّد الانبياء بتعدد المعلّمين، فنحن في الدراسة الابتدائيّة نحتاج الى معلمين يعلموننا مبادئ القراءة والكتابة، حتى إذا انتقلنا الى المرحلة المتوسطة احتجنا الى مدرسين أعلى درجة وأوسع اختصاصا، وهكذا في الدراسة الثانوية والجامعيّة، والبشرية في تقدمها كطلاب المدارس في رقيّهم، يتطلبون لكلّ مرحلة ما يناسبها من المناهج والمعلّمين،فإذا بلغنا أعلى مراحل العلم كانت الحاجة الى المعلّم الأكمل والى المنهج الدراسيّ الأشمل ليُغطيا لنا كافة احتياجاتنا، مهما ، وهذا هو ما استقرّ عليه رأي السماء بالنسبة لخاتمة الرسالات القرآن، ولشمل وأكمل الأديان الاسلام

سؤال تعدد الديانات
———————–

وعن سؤال تعدد الديانات، ومجيء الاسلام بعد المسيحية، فجوابه:
إنّ اللّه تعالى بعث السيد المسيح (عليه السلام) بدين الحق، وكذلك أرسل موسى (عليه السلام) بدين الحقّ، ونحن نؤمن بهما ونصدقهما (آمن الرسول بما أنزل اليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) (البقرة/ 285)، ودينهما- بنسخته السماويّة – هو نفس دين الاسلام، ولا يخالف دين نبينا محمد (ص) إلا في بعض الأحكام والشرائع التي كانت المصلحة تقتضي تغييرها بناءً على مقتضيات الزمان والمرحلة والنضج البشري،.
لكن رسالة المسيح (عليه السلام) بعد ان توفاه الله ورفعه اليه لم تبق على نقائها كما نزل بها الوحي من السماء، بل تسرّب اليها كثير من التشويه والتحريف، ولحقها كثير من التبديل الذي يتنافى مع حقيقتها وأصولها التي بنيت عليها. ومن هذا التحريف: إيمان المسيحيين بألوهية المسيح (عليه السلام) وبعقيدة الثالوث (الأب، والإبن، والروح القدس) وهي الأقانيم الثلاثة، قال الله تعالى:{يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا} (النساء: 171)
فبعث الله نبيه محمداً (صلى الله عليه وآله وسلّم) مصدّقاً لإخوانه من الرسل بشريعة تصلح لكل زمان ومكان، وأوجب على الناس اتباعه، فمن كفر به وعانده فقد كفر بجميع الرسل؛ لأن الرسل جميعا قد بشّروا به. يقول تعالى على لسان شيخ الأنبياء إبراهيم (ع) ( ربنا وابعث فيهم رسولا منه يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك انت العزيز الحكيم) ( البقرة/129). وقال على لسان عيسى(ع) نفسه (( ومبشّراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد )(الصف/6)
فبعث الله نبيَه محمدا (ص) وأنزل عليه بوحي منه كتابا جديدا
قرآنا عربيا مصدّقا للكتب السابقة وكاشفا للتحريف الذي حدث فيها
وجعله مهيمنا عليها، أي: رقيبا عليها، وهو بهذه الهيمنة حاكم وأمين عليها، فما وافق منها أحكامه فهو حق، وما خالفه منها فهو باطل، يحكم عليها كلها لأنه الكتاب الوحيد الذي تكفل الله بحفظه من التحريف فاستحق أن يكون المرجع في الاختلاف،فهو بذلك أكملها وأشملها وأعظمها وأعلاها.
وشبابنا اليوم في عصر البرمجيّات يعون جيّدا ماذا يعني اعتماد أحدث التقنيات، ويلاحقون كلّ تطور أو إصدار لنسخة جديدة من تقنيات الحياة الذكيّة، وإذا سألت أحدهم ما هو الفرق بين النسخة الجديدة والتي سبقتها، يقول لك: في النسخة الجديدة كلّ مافي القديم وزيادة، وهذا أقرب تشبيه لفهم أكمل الرسالات وأشملها.

وإذن الهيمنةُ تقتضي أن القرآن حافظٌ لما كان في الكتب السابقة، ، ومؤتمنٌ عليها، وشاهدٌ على ما فيها، قال سبحانه: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق} (المائدة 48).
وهكذا جعل الله المسيحية الحقة والأديان السماوية الحقة تتجلى في الاسلام لتكون رسالة الاسلام بمثابة التجلّي الأكبر للأديان السماوية جميعا و المتمّمة لها، وجعل الله رسوله محمد خاتم الرسل، وجعل رسالة الاسلام خاتمة هذه الرسالات التي دلّتهم على كل أبواب الخير والهداية والعقائد الصحيحة . وأتمّت ما كان ناقصا، وأصلحت ما كان فاسداً، وأقامت ما كان معوجّاً؛ فكانت لذلك الرسالة الكاملة في مبناها ومعناها، الصالحة لكل زمان ومكان، العامة لكافة البشر أجمعين.
ومعنى كون الاسلام خاتماً للرسالات و متمّماً لها، أنه تعالى يريد أن يجمع الناس قاطبةً على عقيدة واحدة، وشرعٍ واحد، وقبلةٍ واحدة؛ حتى يظهر الدين كلّه، وتكون العقبى له في النهاية، {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} (الصف: 9).

كيف يهتدي الانسان الى الدين الحق؟
———————–

كما قلنا سابقاً، فإنّ اللّه زوّد الانسان بالعقل وأرسل له الأنبياء وأعطاه حرية الاختيار للعقيدة، فالإيمان الحقيقي لا يُبنى الا على قاعدة حرية الاختيار والاعتقاد القلبي الذاتي بينه وبين بارئه.،
ولا يختار الانسان الدين والتدين ويلتزم بهما الا ّ بإرادته، ولا يصحّ منه هذا التدين ولا يمكن أن يكون إيمانا كاملاً أو صحيحا إذا كان مكرها أو مجبرا عليه، أو مارسه دون ارادة واختيار قلبي، ولا يسمّى هكذا انسانٌ مكرهٌ وفاقد لحريّة الاختيار مهتديا، يقول سبحانه وتعالى:

وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَءَامَنَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ(يونس/99)

ويقول سبحانه وتعالى:
لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَىِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَا ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة/256)

روي عن ابن عباس في هذه الآية : ( لا إكراه في الدين ) قال : نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له : (الحصيني)، كان له ابنان نصرانيان ، وكان هو رجلا مسلما، فقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية ؟ فأنزل الله فيه ذلك .
فالإنسان لا يهتدي مكرها مُقسَرا الى دين الله، ولا يُجبر عليه، فالدين الحق يكون بيّناً واضحاً جليًّا في دلائله وبراهينه ولا يحتاج إلى أن يُكره أحداً على الدخول فيه، وإنما يصل اليه بإعمال العقل، والنظر، والبحث، والتدبر في الأديان بعدما تبين الرشد من الغي، وإنما سمّي كتاب الله (القرآن) ب (الفرقان) لأنه تكفّل بتبيان الفوارق بين ما هو (رشد) وصلاح واستقامة، وبين ما هو (غيّ) وغلوّ وانحراف.،
والانسان حين يُعمِل عقلَه ويبحث بصدق وتجرّد عن الحقيقة، فان الله يهديه الى الحق ويشرح صدره وينوّر بصيرته فيدخل في الاسلام على بينّة من أمره … يقول سبحانه:

كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّۦنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ ۚ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍ(البقرة/213)

قصةٌ في هذا المجال:
———————–

ذكرت لي إحدى الاخوات الأميركيات التي اعتنقت الإسلام وكانت مسيحية تعتنق الديانة المسيحيّة وتمارس طقوسها العبادية والكنسية قبل دخولها الجامعة، وما أن أصبحت جامعيّة حتى استقبلت بوابل من الأسئلة والاشكالات المتعلّقة بالله والدين ولم تجد لها إجابات شافية في كتب ديانتها تجعلها قادرة على ان تقف على أرض صلبة. مما حدا بها الى أن تتخلى عن معتقدها الذي لم يحقق لها الرضا الوجدانيّ والعقلي والروحي، وأعقد ما واجهها من أسئلة: كيف يمكن أن يُؤّله البشر، أي كيف يكون الانسان نفسه إلهاً؟ …
تقول عن رحلتها من القلق الى اليقين، انها بسبب ذلك تخلت عن ديانتها المسيحية ولكنها كانت تشعر داخل نفسها بوجود الله شعورا عميقا، ولم تستطع التخلّي عن الإيمان بوجوده، وكان يضايقها عدم اعتقادها بدين محدد، ولكنها تريد ان تعود الى الدين والايمان المقنع، الى أن وجدت سؤال الله يراودها ويؤرقها قبل أن تخرج الى وظيفتها ذات صباح باكر، فانهارت ساجدة على ركبتيها وأخذت تبكي وتدعو الله أن يدلها عليه:
تقول إنها خرجت في اليوم ذاته الى عملها في المشفى، وكان من المقرر ان تعمل مع طبيب أتى من خارج المشفى على عملية جراحية صعبة، وبعد الفراغ من هذه العملية انتحى هذا الطبيب غرفةً جانبية، ودخلت هي عليه فجأة فوجدته مستغرقا بعمل لم تفهمه، يقف ويركع ويسجد ويتمتم بكلمات لا تفهمها ، فاستغربت منه هذا العمل وحين فرغ منه سألته عن فعله ذاك فأجابها بأنه مسلم وأنه كان يصلّي لله، فأخذت تسأله عن ديانته وكان أن وجدت ضالتها وهداها الله واعتنقت الاسلام على يد هذا الطبيب المسلم… يقول سبحانه وتعالى، ماذا
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (القصص/56)..

ويقول الروائيّ الفرنسي (اندريه جيد) في مقدمة الترجمة العربية لروايته (الباب الضيّق) ((إنّ واحدة من الخصائص الجوهريّة في العالم المسلم في ما بدا لي، أنه، وهو الانسانيُّ الروح،يحملُ من الأجوبة أكثر مما يثير من الأسئلة)، وهذا ماعبّر عنه كثيرون ممن انتقلوا من المسيحية الى الإسلام.

القواعد القرآنية الأساسية في التعاطي مع غير المسلمين:

لكن مما ينبغي ان يعرفه أولادنا أيضا، انه مع وجود هذا الاختلاف بين الديانتين الاسلامية والمسيحية، ومع عدم تجاوب الآخر مع دعواتنا لنبذ الشرك بالله وتوحيده سبحانه وتعالى، الاّ ان هذا الاختلاف وعدم الاستجابة لا يفسد في الود قضية ولا يجعل من الآخر عدوا لنا، ولا ينبغي أن يكون سببا للكراهية والعداوة والانغلاق والتعصب ضد الآخر:
صحيح اننا نعتقد بوحدانية الله سبحانه وتعالى وندعو المسيحيين الى نبذ الشرك بالله، ولكنّنا لا نعلّم الكراهية تجاه الآخر، بل نشحن قلوب أولادنا بالرحمة، والتسامح والمحبة للآخرين، نعلّم المسلمين أن الآخرين هم إخوة لنا في الإنسانية انطلاقا من توجيه علويّ عميق النظرة (( إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق)) (، نعلّمهم الرحمة بالآخرين، ودفع العداء بالتي هي أحسن، كما نعلّمهم ممارسة حسن الخلق والتعامل معهم بالقسط والعدل والمعروف، وهذه هي تعاليم القرآن الكريم الواضحة، يقول القرآن الكريم في هذا الاطار:

لَّا يَنْهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوٓاْ إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ(الممتحنة/8)(.

ومعنى ذلك أن الله لا ينهانا كمسلمين عن البرّ والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين المسالمين ومنهم المسيحيون واليهود، بل ندعو أقاربنا وجيراننا وأبناء بلدنا وغيرهم أن يكونوا مسالمين لمن يسالمهم، ولم يشهر عداوته ضدّهم سواء بقتالهم في الدين أو إخراجهم من ديارهم، كما فعل الصهاينة في اغتصابهم لفلسطين، فهؤلاء هم الأعداء الذين لا نواليهم ولا نصافيهم. ،

تعاطي الرسول (ص) والامام علي (ع) مع غير المسلمين:
———————–

يريد منا سبحانه وتعالى أن نتعاطي مع غير المسلم تعاطيا إنسانيا مؤطّرا بفضائل الأخلاق وبروح العدل والمساواة، إنه يدعونا لأن نبرّهم ونقسط ونحسن إليهم، وهذا هو ما أوصى به رسول الله (ص)، فلقد روي عنه انه قال:
ألا مَن ظلمَ مُعاهدًا أو انتقصَهُ أو كلَّفَهُ فَوقَ طاقتِهِ أو أخذَ منهُ شَيئًا بغَيرِ طيبِ نفسٍ فأنا خصمُهُ يَومَ القيامة (أخرجه البيهقي)(ِ
لقد كان الرسول (ص) في تصرفاته اليومية ومواقفه تجاه غير المسلمين يعلّم أصحابه احترام الانسان كإنسان بصرف النظر عن دينه، فلقد روي عنه (ص) احترامه لمشهد جنائز أهل الكتاب: ففي السيرة: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ مَرَّتْ به جِنَازَةٌ فَقَامَ، فقِيلَ له: إنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقالَ: أَليسَتْ نَفْسًا)) (رواه البخاري)(.
وهذا الاحترام للإنسان كإنسان كرّمه اللّه هو بالضبط ما أمر به الإمام علي(ع) مالك الاشتر حين ولاه على مصر، فلقد أمره أن يشيع بين الرعية روح العدل والمساواة بصرف النظر عن دينهم، حيث يقول له::
( فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، أعطِهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحبّ أن يعطيك الله من عفوه وصفحه) (كتابه في عهده له كما ورد في نهج البلاغة).
وهكذا أمر الإمام علي (عليه السلام) واليه أن يطبّق بحق المواطنين غير المسلمين (الأقباط) وغيرهم، الإسلام الصحيح، كما نزل في القرآن الكريم.

شاهدان: تعامل الامام علي (ع) مع النصاراى:
———————–

الشاهد الأول:
و هي قصة الإمام (عليه السلام) مع النصراني المسنّ، حيث كان الإمام (عليه السلام) يمشي في شوارع الكوفة.. فمرّ بشخص يتكفف أو يستعطي وهو شيخ كبير السن، فوقف (عليه السلام) متعجباً وقال (عليه الصلاة والسلام): ما هذا؟ ولم يقل من هذا، و(ما) لما لا يعقل، و(من) لمن يعقل، أي انه (عليه السلام) رأى شيئاً عجيباً يستحق أن يتعجب منه، فقال أي شيء هذا؟
قالوا: يا أمير المؤمنين إنه نصراني قد كبر وعجز ويتكفّف، فقال الإمام (عليه السلام): (ما أنصفتموه.. استعملتموه حتى إذا كبر وعجز تركتموه، اجروا له من بيت المال راتباً)(وسائل الشيعة. (الحر العاملي ج15. ص66) وبذلك أقرّ مبدأ التقاعد للعامل غير المسلم في بلاد المسلمين لأنه خدمهم أبان شبابه وقوته وعافيته. .

الشاهدالثاني:

ويتجلّى تعامل الإمام علي (عليه السلام) مع غير المسلمين على أساس مبدأ القسط القرآني في قصة أخرى، هي (قصة الدرع) حين كان الإمام الخليفة والحاكم على أكبر دولة في العالم، حيث نازع الإمام (عليه السلام) في درعه الخاص يهودي من رعية الإمام، فاستعد الإمام للمثول أمام القاضي، وفي بعض الروايات: ان القاضي حكم ضد الإمام، فطلب من الإمام البيّنة، حيث ان الإمام (عليه السلام) كان حسب الموازين القضائية (مدعياً) والمواطن اليهودي (منكراً) إذ أن اليهودي كان ذا يد على الدرع، وحيث لم يكن للإمام بيّنة، حكم القاضي بأن الدرع لليهودي،بل سجّل (ع) مؤاخذة على القاضي أنه كنّاه بأبي الحسن، ولم يكنّي خصمه وهذا بخلاف العدالة،فهزّ الموقف اليهودي وشهد أنها أخلاق الأنبياء ونطق بالشهادتين، واعترف أن الدرع درع الأمام (ع)، والقصة مذكورة في كتب الحديث والفقه ودلالاتها واضحة….

ألموقف من أعداء الاسلام
———————–
لكن المشكلة هي مع من يحارب المسلمين لأجل دينهم، ويسعى للقضاء عليهم ويغزوهم في أراضيهم ويحتلها ويستعمرها ويقوم بطردهم وإخراجهم منها ويقتلهم ويشرّدهم، المشكلة مع هذا الذي يعادي ويقاتل ويحتل ويغتصب، والمشكلة مع من يعاون هؤلاء الأعداء ويمدهم بالسلاح والعتاد والقوة والتأييد ويمكنهم من السيطرة والإحتلال.. يقول سبحانه وتعالى :

إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(الممتحنة/9)

هذا العدو المغتصب والمحتل والظالم نهانا الله سبحانه من موالاته ومسالمته وتأييده وحرم علينا التحالف معه والتعامل معه والانفتاح عليه ونصره وفتح بلاد المسلمين له، وكل من طبّع مع هكذا عدو وتعاون معه يكون ظالما لنفسه ولإخوانه، خائنا لأمته ووطنه، ومن يفعل ذلك فهو شريك مع هؤلاء في ظلمهم، يستحق غضب الله ولعنته (وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) .

هؤلاء الكفار الأعداء المحتلون المقاتلون لنا ،أمرنا الله تعالى بقتالهم ومواجهتهم والوقوف ضد مخططاتهم، لكن الله نهى عن الاعتداء، فقال :
: (وَقَٰتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوٓاْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ. البقرة/190

اذن، القرآن ينهى عن المبادرة الى الاعتداء على الغير ويريد من المسلمين ان يكونوا مسالمين مع غير المسلمين، والقرآن الكريم لا يعلّم الكراهية أبداً، بل يعلّم المودة والرحمة ويدعونا الى مخاطبة أهل الكتاب بلغة القناعات المشتركة،أي بأن نبحث عن الأرضية المناسبة للعمل مع اهل الأديان الأخرى في مواجهة الإلحاد: يقول سبحانه :
قُلْ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍۢ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِۦ شَيْـًٔا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُو(آنل عمران/64)َ
نعمل معا على دعوة البشر للإيمان بالله، ونعمل معا لمنع الظلم والعبودية عبودية الانسان للإنسان، والافراد للأفراد والشعوب للشعوب، ونتعاون على تعميم رسالة العدالة والخير في الأرض، أما إذا رفضوا العمل المشترك لتحقيق هذه الأمور الخيّرة التي دعا اليها الأنبياء جميعا، فلا يعني ذلك أن يتخلى المسلمون عن هذا الدور المقدس أبدا.…
أما في التعاطي الاجتماعي خارج إطار الحروب والممارسات العنصرية والإجرامية ضد المسلمين، وفي إطار التعاطي اليومي في المجتمع الواحد فالله سبحانه يأمرنا بالتحلّي بأخلاق الصفح والعفو والتعاطي الطيب والراقي مع غير المسلمين حتى لو أساءوا الينا، يقول سبحانه :

قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون) الجاثية/14َ

فالله تعالى يأمر عباده المؤمنين بحسن الخلق والصبر على أذية المشركين به، الذين لا يرجون أيام الله أي: لا يرجون ثوابه ولا يخافون وقائعه في العاصين، و سيجزي سبحانه كلَّ قوم بما كانوا يكسبون. فأنتم يامعشر المؤمنين يجزيكم على إيمانكم وصفحكم وصبركم، ثوابا جزيلا.

ويعلمنا القرآن الكريم أن ندفع بالتي هي أحسن مع هؤلاء ونتصرف معهم بمحبة وتسامح، يقول سبحانه وتعالى :
{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }(فصلت/34)
.
قصّة ذات مغزى:
—————-

ذكر لي أحد الأخوة، وهو مهندس يعمل في شركة كبرى هنا في اميركا، ان شركته أرسلته يوما الى فرع لها في مدينة بعيدة لا يسكنها مسلمون، فكان المسلم الوحيد بين عمّالها هناك، وراح بعض المتعصبين بعد أن عرفوا اسمه الاسلامي يتصرفون معه بتعصب واضح وازدادت المضايقات له، وكان الذي تولى تحريك كل هذه الامور السلبيّة ضده رجل مسيحي متعصّب.
يقول المهندس انه قرر يوما ما أن يجرّب مع ذلك الشخص أسلوبَ الدفع بالتي هي احسن، فدعاه الى تناول طعام الغداء معه في أحد المطاعم، وتفاجأ بتلبية هذا الرجل المتعصب لدعوته، وكانت الدعوة على الطعام فرصة للمهندس المسلم لكي يشرح لهذا الرجل كيف يؤمن المسلمون بالمسيح وأمه مريم عليهما السلام، ويشرح له مدى تقديس الاسلام لهما، ويذكر له وجود سورتين في القرآن الكريم بحق المسيح وأمه مريم التي سمّيت إحدى سور القرآن باسمها، وكيف اصطفاها الله سبحانه ووهب لها المسيح عن طريق الاعجاز وليس الزواج، وشكّلت هذه المعلومات الجديدة مفاجأة لهذا الرجل الذي كان ينظر نظرة كراهية وعداء للإسلام والمسلمين، يقول الأخ المهندس ان هذا الانفتاح والشرح والدفع بالتي هي احسن غيّر هذا الشخص تماما بعد ذلك وتحول الى صديق حميم..

ولدي على هامش هذه القصّة ملاحظتان : الأولى:
إنّ هذه القصة وعشرات القصص التي تحدث معنا هنا تؤكد مقولة الامام علي عليه السلام: الناس أعداء ما جهلوا، وان رفع الجهل بتبيان الحقائق بصيغة مهذّبة ولطيفة هو الوظيفة الكبرى التي ينبغي ان ينهض بها المسلمون في البلاد المسيحية، وان ينفتحوا على المسيحيين في كل مكان ويتعاطوا معهم على اساس ما أمر الله في كتابه الكريم.
إن الكثير من المسيحيين في الغرب لا يعلمون مدى التقدير والاحترام والمحبة التي يكنّها المسلمون للمسيح وأمه مريم عليهما السلام، ولا يعرفون ان المسيح عليه السلام مثلا قد ذكر في القرآن الكريم بالاسم (٢٥) مرة، ولا يعرفون ان هناك سورة في القرآن الكريم تتناول المسيح عليه السلام ك(سورة المائدة)، وان المرأة الوحيدة التي ذكر اسمها القرآن الكريم هو مريم عليها السلام وان هناك سورة كاملة باسمها، وهذا يدل على مدى اعتقاد المسلمين بالمسيح: وهؤلاء يظنون انهم اتباع المسيح حقا، أما المسلمون فهم اتباع هرطقة شخص ظهر في الصحراء العربية اسمه محمد ، فالإسلام بالنسبة لهم هو دين الأجانب الذين يأتون من البلاد العربية، بينما يعتبر المسلمون انفسهم اتباع المسيح حقا، فهو لم يأتِ الا بنفس التعاليم التي جاء بها محمد (ص) ، وهم مأمورون من الله ان يعلنوا ايمانهم بالله وما أوتي موسى وعيسى

يقول الله تعالى :
( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )(البقرة/136)

الملاحظة الثانية:
أن الديانة المسيحية ليست سلبية بالمطلق، بل انها تعلّم على قيم التواضع والمحبة والخير، وان كان قد حصل فيها هذا التحريف الكبير من الناحية العقائدية ، وانّ الكثير من المتعصبين المسيحيين الأميركيين هم أناس طيبون مستعدون للاستماع اليك إذا كنت تمتلك منطقا مقنعا وتصوّرا خيرا عن الدين، والقرآن الكريم يقول: ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰاهِدِين(المائدة/82)َ

تجربتنا في المجمع:
——————–

لقد استقبلنا هنا في( المجمع الاسلامي الثقافي)، وفودا عديدة حضرت من أماكن بعيدة ولم يكونوا قد تعرّفوا على الاسلام والمسلمين من قبل، فقمنا بشرح رسالة الاسلام الحضاريّة لهم، وكيف نؤمن بالمسيح وأمه مريم عليهما السلام، ولفت نظري أنّ دموعا كانت تنهمر من عيون بعض الأفراد في الكثير من الوفود وخاصة حين كنّا نتحدث لهم عن الأمور المعنوية والأخلاقية الروحية العظيمة التي دعت اليها الأديان ودعا اليها الإسلام على وجه الخصوص..
وأذكر أنه في إحدى المرّات زارنا وفد كبير جاء من جامعة مسيحية من ولاية أريزونا، وتحدثت اليهم عن العنصرية والكراهية التي يتصرف بها بعضهم تجاه المسلمين لجهلهم بعقائد المسلمين وحقيقة تعاليم الاسلام وخشيتهم من هذا الدين المجهول المرعب، وبعد انتهائي طلب أحد المشاركين في الوفد الكلام وأعلن لنا انه هو نفسه كان من هؤلاء الجهلة العنصريين المتعصبين الى ما قبل ساعة من الآن ، وانه اليوم بعد أن التقى لأول مرة في حياته بمسلمين وسمع منهم عن حقيقة الاسلام فإن هذه التجربة غيّرته تماما، وقال أنتم تتحملون مسؤولية رفع هذا الجهل بكم وبدين الإسلام وإضعاف موجة الكراهية التي تزداد ضدّكم، فقلت له، ولهذا تراني بينكم الآن …

 

Contact Us

We're not around right now. But you can send us an email and we'll get back to you, asap.

Not readable? Change text. captcha txt

Start typing and press Enter to search