قراءة في كتاب (فن النصيحة)

قراءة في كتاب (فن النصيحة)

العنوان : فن النصيحة: قواعده، تطبيقاته، إيجابياته، في ضوء القرآن الكريم والسنّة النبويّة
تأليف: الشيخ باقر بِّري

منشورات (المجمع الاسلامي الثقافي) الطبعة الأولى2021
يقع في (77) صفحة من القطع المتوسط
يطالعنا المؤلف – في مقدمة كتابه- بمقولة نبويّة رائدة ورائعة تصف قيمة النصيحة في الواقع المجتمعي((إنّ أعظم الناس منزلةً عند الله يوم القيامة، أمشاهم في أرضه بالنصيحة)) ! ومن ذلك ينطلق الى أنّ (التناصح) فريضة مجتمعيّة في معناها المستوحى من (امّ الفرائض)( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)ويرى بان النصيحة بصفتيها الارساليّة والاستقباليّة تمثّل حاجة لمختلف الفئات والأعمار، نستكملُ بها ثقافتنا،ونغني تجربتنا، ونثري عقولنا و، ونصحّح مسارنا، وننير دروبنا.
ويعرّفنا الشيخ برّي بأنّ النصيحةَ ليست مجرد إرادة الخير للمنصوح، بل إنّ من معانيها (الناصح أي الخيّاط) الذي يُصلح الملابس القديمة، ويخيط الملابس الجديدة، فالناصح إما أن يقدّم الجديد أو يصلح القديم، وإن معاني النصح أنه العسل المصفّى من شوائبه، وبذلك فإن الناصح الصالح يقدم نصيحته صافيةً مخلصة حلوة من غير غشٍّ ولا خداع. وبهذا يرتقي التناصح بالفرد وبالأسرة وبالمجتمع وبالأمة حتى تصبح كما وصفها القرآن خيرَ أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
والناصح- بحسب الكتاب-يتحرك بدافعين: ذاتيّ، ينمّ عن نفس خيّرة ومحبّة للخير،، وموضوعي يعبّر عن تقدير لحاجات المجتمع. ثم يبيّن لنا فوائد النصيحة من حيث أنها تشفي غيظ القلوب، وتقلّل نسبة الأخطاء، وتقدم البديل الأصلح للنقد الجارح أو الهدّام. كما يلتفت المؤلف الى ضرورة التناصح في المجتمعات غير الاسلاميّة قائلا(( وتزداد أهمية وقيمة التناصح بالنسبة لمن يعيشون في خضمّ مجتمع فيه المحبّ الانسانيّ، والكاره العنصريّ، والمنفتح المتسامح، والمتعصّب السلبيّ))، ويرفد موضوعه بالعديد من الأمثلة الواقعيّة والحيّة، مشيراً الى أنّ المواطنين الأمريكيين يتصفون عموماً بهذه الخصلة الطيبة وهي إسداء النصيحة حتى لمن لا يعرفونهم، فيما هناك مجتمعات مسلمة تختلّ فيها هذه الفريضة أو الشعيرة، أو الجنبة الأخلاقيّة العالية، وقد تعطّل إما بسبب الجهل، أو بسبب فساد الأنظمة السياسيّة، أو قد تكون نتيجة لبخل الناس بالمعروف.
وفي إجابته عن سؤال: كيف ننصح الناس؟ يضع المؤلّف لائحة من القواعد والضوابط التي ينبغي مراعلتها في تقديم النصيحة، وهي:الاخلاص للمنصوح، كما لوأنك تقدم النصيحة لنفسك.والنصح بالقدوة الحسنة والفعل المؤثر، فالنصيحة قد تكون (وقائية) وهي نافعة، وقد تكون (علاجيّة) وهي أكثر نفعا وتأثيرا.واستخدام الاسلوب غير المباشر على طريقة (إيّاكِ أعني واسمعي يا جارة)) وفتح الحوار الودّي الذي يفتح مسامع القلب لتقبّل النصيحة، ومن وجهة نظر نفسيّة فإن الناس يستجيبون أكثر إذا كان التحرك قد بدأ منهم ومن خلالهم وسعوا لىطلب النصيحة كما يذهب المريض للطبيب ليستشفي من مرضٍ يعاني منه.. وضرورة انتصاح الناصح بما ينصح، فكلما لمس المنصوح صدق ناصحه أخذ بالنصيحة وعمل بها.وأكّد أيضا على أهمية الإسرار في النصيحة انطلاقا من مقولة الامام الصادق (ع) ((من وعظ أخاه سرّاً فق زانه، ومن وعظه علانيّة فقد شانه))، كما أنّ علينا إن أردنا ضمان قبول النصيحة أن نبدأ بالايجابيات وننتهي بالسلبيات.، ولا نكون بحّاثين ولانبّاشين عن الزلاّت والعيوب وصغائر الذنوب.وأن نختصر في النصيحة لئلا نثقل على المنصوح فننفره.
وبعد أن يحدثنا (الشيخ باقر) مؤلف الكتاب عن أن العامل بالنصيحة هو الرابح حتى لو لم يعمل بها الناصح نفسه ، يبيّن لنا في إجابته عن سؤال: من هم الناصحون: بأنهم النفس لأنها واعظ من الداخل، والوالدان بسبب حرصهما الكبير، والصديق المخلص ، والأقارب الصلحاء، والعلماء الأجلاّء، بل حتى الخصوم، إذ قد نستفيد من الخصم المشاحن أكثر من الصديق المداهن.، كما أن الكتاب ناصح أمين لاسيما ما له مساس بحياتنا ومشاكلنا واختصاصاتنا وتنمية شخصياتنا. فضلاً عن المستشار المؤتمن، والسفهاء الذين يعظوننا بسلوكم المشين، فلا نفعل ما يفعلون، والزمان أيضاً ناصح أكبر، لأننا نتعظ من أخطائنا وتجاربنا، كلما نضجنا أكثر. ويذكر المؤلف كذلك أن كتاب الله الكريم (القرآن) هو الآخر ناصح لأنه أبلغ الموعظة وأحسن وأصدق الحديث. ويبقى عقل الانسان آداة من أدوات النصح الذاتي لاسيما في تمييزه مابين الخير والشر.
ويختم مؤلف (فنّ النصيحة) بأن ادخار النصيحة ينفعنا مستقبلا إن لم ننتفع من النصيحة حاضراً. والكتاب بعد ذلك غنيّ باستدلالاته وشواهده وأمثلته وقصصه والآيات والروايات التي تعزز كل مفصل من مفاصل الكتاب.
(فنّ النصيحة) كتاب لايستغني عنه الكبير والفتاة والشاب، بل كلّ مسلم يعمل في تطوير ذاته، أو في الحقلين التربويّ أو المجتمعيّ.