نكبة المرفأ والدروس المستفادة

يقول الشاعر:

أيُّها الغافلون عن سَكْرةِ المو        تِ وإذْ لا يَسوغُ في الحَلْقِ ريقُ

إنَّما هزَّتِ الزلازلُ هذي الـ         أرضَ بالغافلينَ كي يستفيقوا

حين يضرب الزلزال أرضاً ما ويهزُّ بلداً ما فإنما ليوقظ أهله الغافلين.

والزلزال التفجيريّ الرهيب الذي ضرب عاصمتنا الحبيبة بيروت وضرب بلدنا الحبيب لبنان حَرِيٌّ به أن يوقظ سكانه الغافلين عن واجبهم في التغيير، وواجبهم في مواجهة مسؤوليهم الفاسدين، وواجبهم في إسقاط المنظومة الطائفية التي تعيقُ تقدُّمَ بلدِهم.

إن النكبة التي حلَّت في لبنان ليست ابنة ساعتها، بل ابنة عقود من الفساد والإهمال والمحاصصة على أساس الولاء لا على أساس الكفاءة. فوضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب يُراكم أجزاء الكارثة، جزءاً تلوَ آخر، لتكتمل في ما بعد على شكل انهيار اقتصادي كالذي يمرُّ به لبنان، وعلى شكل انهيار عمراني كالذي تسبَّب به انفجار المرفأ.

الدروسُ التي يجب استخلاصُها من هذه النكبةِ الكبرى كثيرةٌ، بل وكثيرةٌ جداً. وأوّلُها وأهمُّها استحالة استمرار النظام السياسي بشكله الحالي في لبنان. فهذا النظام المتخلّف ينتمي إلى زمن قديم، مضى وانقضى. ينتمي إلى زمن لم يعد موجوداً. لذلك دعونا في السابق وندعو اليوم للانتقال إلى الدولة المدنية.

وقد يقول قائلٌ: وهل كانت الدولة المدنية لتمنعَ حصولَ الانفجارِ في المرفأ؟

والجواب: نعم وبالتأكيد! لأن أساس الكارثة هو الفساد والإهمال… وأساس الفساد والإهمال هو المحسوبية والزبائنية… وأساس المحسوبية والزبائنية هو الولاء على أساس طائفي.

إنَّ الدولة المدنية حين تمنع وصول غير الكفاءات إلى مناصب الدولة، فهي تمنع حصول الإهمال، وبالتالي تمنع حصولَ كارثةٍ كالتي حصلت.

فليس من خيارٍ أمامنا أفضل من خيار الدولة المدنية التي تصون حقوق الجميع، وتحدّد واجباتهم.

وعلينا نحن الشيعة تحديداً أن نقود لبنان نحو هذا الخيار التقدُّمي. فطالما كان شيعة لبنان حَمَلةَ الخيارات التقدُّمية، وعلى رأسها خيار المقاومة. فما الذي يمنعنا من أن نكون حَمَلَة مشاعل الحلّ السياسي الجذري لمأزق النظام السياسي في لبنان تحت عنوان “الدولة المدنية”؟

“اتفاق الطائف” الذي لم يكن أكثر من غطاء لنهب خيرات البلد وثرواته، صار في حكم المنتهي وقد تطايرت شظاياه مع تطاير زجاج الأبنية والبيوت في انفجار المرفأ. لذلك لا بدّ من إعادة التفكير بعقدٍ اجتماعي جديد أساسُه المواطنةُ والمساواةُ بين جميع اللبنانيين، مع لحظِ جميع الهواجس والمخاوف لدى بعض الفئات والشرائح، وخصوصاً هاجس منطق الغَلَبَة والتغلُّب بين الطوائف.

وهذا ما يشتمل عليه نظام الدولة المدنية الذي دعونا إليه في المقال السابق. عسى أن يستيقظ وعي اللبنانيين على وقع المصاب الجلل، فيختاروا الطريق الأمثل الذي لا مفرَّ من اختياره لإعادة بناء بلدهم ونهضتِه التي طال انتظارُها.

(*) إمام “المجمع الإسلامي الثقافي” في ديربورن بالولايات المتحدة

Contact Us

We're not around right now. But you can send us an email and we'll get back to you, asap.

Not readable? Change text. captcha txt

Start typing and press Enter to search