في استقبال شهر رمضان المبارك… الشيخ باقر برّي:

العبادة والإخلاص في الزمن المقدَّس

التاريخ: 04/01/2022

 

لم يبقَ أمامنا إلَّا القليل لندخل شهر رمضان الفضيل؛ شهر الخير والرحمة والبركات. والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). صدق الله العلي العظيم.
فالصوم من العبادات التي تشدُّ الإنسان إلى الله تعالى، ويمتثل فيها المؤمن لأوامره ونواهيه عزَّ وجلَّ، حتى يستشعر بعظيم التقوى في نفسه وكيانه وسلوكه ليحقق كامل الإخلاص والطاعة لله تعالى.
إنَّ تشريع الصيام هو بناءٌ للتقوى في داخل ذات الإنسان، وهو تكريسٌ للأمانة الداخلية، وتعزيزٌ للثقة والاطمئنان داخل شخصية الإنسان وعقله وقلبه وفهمه.
وقد رُويَ عن رسولنا الكريم –صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- في خطبته في استقبال الشهر الفضيل قوله:
(أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللهِ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ. شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَأَيَّامُهُ أَفْضَلُ الأَيَّامِ، وَلَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي، وَسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ. هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللهِ، وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ. أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ، وَنَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَعَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ، وَدُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ، وَقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ، أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ، وَتِلاوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ. وَاذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَعَطَشِكُمْ فِيهِ، جُوعَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَعَطَشَهُ).
ونحنُ إذ نستعدُّ مخلصين لاستقبال الشهر المبارك، علينا التهيّؤ لبناء أنفسنا وذواتنا وتطهير قلوبنا من الغِلّ والحقد والكراهية والضغينة، وأَنْ نفتح صفحةً جديدةً، بل صفحات فيها مساحة واسعة لتدريب أنفسنا وشعورنا وتقرُّبنا إلى ربّ الرحمة والعزة والجلال، فنرفع الحقد عن قلوبناـ ونتهيّأ للعمل الصالح والخير والمكرمات، بعيداً عن الأنانية والنزعات النفسية التي تخالطها أحياناً عوامل الغرور والمصالح والنزوات.
وإذا أردنا ربحَ هذه المسافة الزمنية التي أتاحها لنا الله سبحانه وتعالى في الشهر الفضيل، شهر القرآن الكريم، علينا أن نضع لأنفسنا برنامجاً عبادياً نستثمر فيه هذا الزمن المقدَّس؛ زمن التوبة والرحمة والغفران؛ زمن إصلاح النفوس والسريرة والضمير، زمن الدعاء والصدقة وفعل الخير وتلاوة القرآن الكريم. حتى إذا خرجنا من الشهر الفضيل نكون قد أعددنا العُدَّة وجهَّزنا الحال لكامل السنة، مُسلَّحين بالتقوى والإخلاص لله سبحانه وتعالى في كل الأحوال والظروف، سرَّاً وعلانيةً.
عن أبي الصَّلْت الهروي (من أصحاب الإمام الرِّضا عليه السلام) قال: دخلتُ على الإمام الرِّضا -عليه السلام- في آخر جمعة من شعبان، فقال لي:
“يا أبا الصَّلْت؛ إِنَّ شَعْبَانَ قَدْ مَضَى أَكْثَرُهُ وهَذَا آخِرُ جُمُعَةٍ مِنْهُ فَتَدَارَكْ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ تَقْصِيرَكَ فِيمَا مَضَى مِنْهُ وَعَلَيْكَ بِالْإِقْبَالِ عَلَى مَا يَعْنِيكَ وَتَرْكِ مَا لَا يَعْنِيكَ وَأَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَتُبْ إِلَى اللَّهِ مِنْ ذُنُوبِكَ لِيُقْبِلَ شَهْرُ اللَّهِ إِلَيْكَ وَأَنْتَ مُخْلِصٌ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَلَا تَدَعَنَّ أَمَانَةً فِي عُنُقِكَ إِلَّا أَدَّيْتَهَا وَلَا فِي قَلْبِكَ حِقْداً عَلَى مُؤْمِنٍ إِلَّا نَزَعْتَهُ وَلَا ذَنْباً أَنْتَ مُرْتَكِبُهُ إِلَّا قَلَعْتَ عَنْهُ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ فِي سِرِّ أَمْرِكَ وَعَلَانِيَتِكَ “وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً.
وَأَكْثِرْ مِنْ أَنْ تَقُولَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ:
اللَّهُمَّ إِنْ لَمْ تَكُنْ قَدْ غَفَرْتَ لَنَا فِي مَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ فَاغْفِرْ لَنَا فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ”.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا جميعاً، وأن يبلغنا صيام وقيام هذا الشهر الفضيل، وأن يُعيننا على ذكره وشكره، ويتقبَّل منَّا ومنكم صالح الأعمال والطاعات، ويحفظكم ويرعاكم ويجنّبكم كلَّ سوءٍ، إنه سميع مجيب.

Contact Us

We're not around right now. But you can send us an email and we'll get back to you, asap.

Not readable? Change text. captcha txt

Start typing and press Enter to search